د. عبده سعيد المغلس
معركة النخبة اليمنية ودورها وبوصلتها وهدفها
الأحد 29 مارس 2020 الساعة 19:29
نخبة المجتمعات هي طليعتها التي تقود مجتمعاتها ودولها، إما لدخول التاريخ والحضارة أو الخروج منهما، وهناك مقولة عند الأطباء التشخيص هو العلاج فإن لم تشخص المرض لا تستطيع علاجه، وإن خدعتك أعراض المرض عنه، فأنت طبيب فاشل..
وما ينطبق على علل وأمراض الإنسان، ينطبق على علل وأمراض المجتمعات، إن من يطالع بعض ما تكتبه الأقلام المحسوبة على النخبة اليمنية، وما يكتبونه عن معركة اسقاط الإنقلاب الحوثي الإيراني، وتبعاته وملحقاته، والتي هي قضية مصير اليمن ووجوده ومستقبله، يجد فيها خلطا للأوراق متعمد، وتحريف للحق معهود، وانحراف للبوصلة والهدف، عن المعركة مقصود، وتوجه بوصلة المعركة وسلاحها نحو الشرعية والتحالف مشهود، تنفيذاً لدور مراد، ومخطط معد، يهدف اسقاط الشرعية والتحالف، والبعض يسرع السير نحوه بانقياد أعمى ووعي مفقود.
علينا أن ندرك أن الشرعية اليمنية بقيادة فخامة الرئيس هادي، هي تمثل رمزية الدولة اليمنية وشرعيتها وشرعية وجودها، وشرعية إسقاط تآمر الانقلاب، كما هي شرعية التحالف وشرعية وجوده، وبهدمها نهدم رمزية ووجود شرعية الدولة اليمنية والتحالف ونتيجته سقوط الشرعية والتحالف.
وقميص عثمان وكلمة الحق المراد بها باطل "الفساد" بها ترتفع الأعلام والأصوات، بخصوص اللصوص والفاسدين، المتواجدين في مواقع مسؤولة في مؤسسات الشرعية اليمنية، وحقيقة القول والمقال أنهم لم ينزلوا من السماء، فهم قدموا من المجتمع اليمني، الذي تغلب عليه ثقافة الفيد والفساد كمنهج مارسته السلطات المتعاقبة في الحكم والتعامل والبقاء، وجعلت منه ثقافة مجتمع، من غش الطالب في المدرسة ومحيطه، والتاجر ومحيطه، والقاضي ومحيطه، والمسؤول ومحيطه، كما أنهم قدموا من مكونات حزبية، حاضنة ومربية لهم ضمن هذه الثقافة.
فثقافة الفساد والفيد هي التي أوصلتنا لما نحن عليه، وتحتاج إلى معركة لا بد منها، تخوضها الدولة بمؤسساتها وقوانينها، والمجتمع بمكوناته ورقابته وضميره، ضمن مشروع جامع، بعد الانتصار على معركة الانقلاب واستعادة كامل مؤسسات الدولة والوطن، ولن يقضي عليها كظاهرة وثقافة، غير مشروع الدولة الإتحادية بأقاليمها الستة، المفتت والمنهي لجذرها ومسببها الحقيقي الهيمنة على السلطة والثروة .
ودعوني أسوق لكم بعض الشهادات التي وصفت وصنفت وجود هذه الظاهرة والثقافة في المجتمع اليمني منذ فترات طويلة :
١-اليمن ضمن 14 دولة نفطية في العالم متهمة باختفاء جانب كبير من عائداتها النفطية في جيوب مديري الشركات الغربية المنتجة ، والوسطاء والمسؤولين المحليين. تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2004 م .
٢-إن حالة الفساد في اليمن خطيرة ، فبالرغم من مصادقة اليمن على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد إلا أنه حتى اليوم لم ترفع أية قضية فساد ضد أي مسؤول كبير بسبب الفساد .
تقرير مراجعة سياسة التنمية في اليمن ، البنك الدولي في 20- 12-2006 صحيفة الوحدة.
٣-إن الحكومة اليمنية تنتهج سياسة إفقار شامل للشعب اليمني ، وإن المؤشرات الصادرة عن المؤسسات الدولية أبرزت تراجعاً كبيراً، على مدى سنوات، في جهود اليمن للحد من الفساد المالي والإداري، كما أن البرلمان اليمني أيضاً مسؤول، ولا يقوم بدوره في محاسبة الحكومة عن تباطؤها في مكافحة الفساد، حيث أن حكومة اليمن فشلت في مواجهة الفساد المستشري في البلاد ، وإن حديث السلطة عن مواجهة هذه الأزمة مجرد كلام إنشائي، كما أن اليمن عاجز عن بسط سيطرته بشكل فعَّال على أراضيه أو مراقبة حدوده، ولا يمتلك جهازاً قضائياً فاعلاً، فضلاً عن انتشار الفساد المالي بين مسؤولي الدولة. سوزان إي رايس، المساعدة السابقة لوزير الخارجية الأمريكية ، "أخبار اليوم" ، العدد(500). 11 يوليو 2005.
٤-إن هيمنة نظام عسكري قبلي هو السبب الرئيس الذي يعوق تحول اليمن إلى دولة مؤسسات وقانون ومجتمع مدني ، وهو السبب ذاته في تشويه حرية الاقتصاد وتكريس الفساد وعدم كفاءته في معالجة مشكلات التنمية وحسن استغلال وتوظيف الموارد. تقرير "مؤسَّسَتَي التراث" و"وول ستريت" الأمريكيتين "المصدر" بتاريخ 29-1-2008م.
وهناك شهادات عديدة لا حصر لها تؤكد عمق المشكلة وكونها جزء من ثقافة مجتمع تراكمت عبر مراحل مختلفة.
وهنا يبرز السؤال ما هو دور النخبة اليمنية في التشخيص والعلاج؟
علينا كنخبة عدم تدمير رمزية وجود الدولة اليمنية والتحالف "الشرعية" بالهجوم على الشرعية بالمطلق، بل علينا جمع الأدلة على اللصوص والفاسدين، ولنهاجمهم باسمائهم وجرائمهم وحواضنهم الحزبية، التي ربتهم على الفساد واللصوصية وسكتت عن ذلك، فهذا هو الصواب وتصحيح المسار، لا يجب أن نهاجم سفينة نجاتنا "الشرعية" بالمطلق دون تمييز ولا دليل، فذلك يصب في مصلحة عدو الجميع إيران وأدواتها ومشروعها.
أمر أخر يجب علينا إدراكه كنخبة، ففي أحيانًا كثيرة، لا تكون القيادة هي المسؤولة عن الخذلان أو الهزيمة، وإنما المجتمعات نفسها، والأنصار أنفسهم، بوجود المنافقين والمهزومين والمتخاذلين والباحثين عن الغنيمة منهم، بحكم ثقافتهم الموجهة أو الولاء المزدوج، ولنا في القصص القرآني عبرة وعظة، مع أقوام الرسل والأنبياء، أثبتها الله في كتابه عبرة ونموذج، وسجلها تفصيلًا لنأخذ منها الدروس والعبر، فهو الذي خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه، وهنا يبرز عامل مهم في الخذلان وتأخر الحسم، بجانب ثقافة الفيد والفساد، وهو عدم الإيمان والإخلاص عند البعض، والنفاق وتعدد الولاءات عند البعض الأخر، فبرغم قيادة موسى عليه السلام ودعم الله له بتسع آيات بينات غير أن قومه خذلوه بقعودهم ولم يقاتلوا معه (قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) المائدة ٢٤.
وبرغم قيادة الرسول عليه الصلاة والسلام لمعركة أحد، غير أن جنده خذلوه، وتركوا مواقعهم بحثاً عن الغنيمة، السلوك الإنساني واحد، ويتكرر عبر التاريخ، نجده في مدلولات كلمة "أكثرهم" في التنزيل الحكيم، حتى الإيمان بالله يغلب عليه الشرك عند أكثرهم (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ) يوسف ١٠٦.
وعن المنافقين هناك سورة كاملة باسمهم"المنافقون" لخطورتهم ودورهم الهدام للمجتمعات والدول، وأورد الله الكثير من الآيات الفاضحة لسلوكهم، وجعلها عبرة في محكم آياته ليستفيد منها المؤمنون المخلصون، وهذه أمثلة لها:
(يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) المنافقون ٨.
(إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) المنافقون ١.
(لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) التوبة ٤٧.
ولتؤدي النخبة معركتها ودورها، عليها امتلاك معايير القراءة الصحيحة، بالبدء بالتخلص من معايير القراءة المغلوطة، والتي تتطلب تصحيح الوعي والثقافة المغلوطة في عقلها المُكَوّن، وعلى رأسها ثقافة الفقه المغلوط، والتحزب المغلوط، والولاء المغلوط، وثقافة الأحادية وإلغاء الآخر، وثقافة الفساد والهيمنة، وعلى رأسه فساد الكلمة وتجارتها، لتستطيع الرؤية والتشخيص والقراءة بمعايير صادقة وموضوعية، لتقوم بدورها في هزيمة الانقلاب وتبعاته، والانتصار لليمن الحاضر والمستقبل، الوطن والدولة، والأرض والشعب، بشرعيته ومشروعه وتحالفه، فهذه معركة النخبة اليمنية ودورها وبوصلتها وهدفها .