د. علي العسلي 
حسين العزي يُغرِّد من الآخرة !
الاربعاء 9 يوليو 2025 الساعة 14:56

لا زلت أبدأ من حيث انتهيت في مقالي السابق المعنون: "حسين العزي من الآخرة يُغرِّد!"

ومن ذلك السؤال الذي لا يزال معلقًا في الهواء:هل فقدت جماعة الحوثي توازنها؟
أم أنها تُعدّ لمشهد داخلي أكثر ظلامًا؟

حادثة الزايدي... إهانة للكبار أم رسائل داخلية؟

غرد حسين العزي من "جنّته" أو "جهنّمه" قائلًا:

"اعتراض الشيخ محمد الزايدي أثناء مروره في طريق الله، ليس سوى عمل مقيت ومدان، يستفز كل أبناء اليمن، باعتباره انتهاكًا صارخًا لقيمنا اليمنية الأصيلة، المبنية على احترام كبار القوم، وتقدير رموز القبائل."

اللافت في هذه التغريدة أنها كشفت عن صراع داخلي خافت داخل الجماعة، لا عن ثقة أو هيبة.

ثم يلجأ العزي إلى خطاب القبيلة، لا إلى الدولة التي كان ينتحل فيها صفة نائب وزير الخارجية، ويقول:

 "وعن كل حامل سلاح من آل العزي، نؤكد بأننا من حال عياله وقبايله، وسلاح معلّق لليوم الكبير. آملين سرعة الإفراج صونًا لأمن وسلام الجميع."

وهنا يُطرح السؤال:

لماذا هذا الخطاب القبلي؟ ولماذا يُعامَل الآن كـ"شيخ"، وهو في جوازه المزوّر ضابط، وهو متحوث قاتل، قاتل في صفوف الجماعة، وظهر مرارًا في الإعلام يُحرّض على أبناء الشعب اليمني، ويُعلن ولاءه المطلق لعبدالملك الحوثي؟

لقد تم توقيف الزايدي في معبر صرفيت، بجواز دبلوماسي مزوّر، وهو مطلوب أمنيًا!
وليس بصفته "شيخًا" حتى تستنكف القبيلة، بل بصفته ضابطًا حوثيًّا قاتلًا... ومع ذلك، يتباكى العزي على "كرامة الشيوخ"!

"السلاح المعلّق".. لغة احتجاج!

العزي لم يهدد، بل لوّح بـ"سلاح معلّق"، في تعبير صريح عن الخذلان والاحتجاج.

قبائل آل العزي لم تعد تقاتل في صفوف الحوثيين، إما بسبب التهميش، أو بانسحابها من المشهد... فأصبحت خارج دائرة التأثير والقرار.

أين المجلس السياسي الأعلى؟
أين "الدولة الحوثية"؟ أين صخب العزي الإعلامي عن معاداة أمريكا و"دويلة" إسرائيل؟ أين حديثه السابق عن أن "ورقة السلام في يده"؟

كل ذلك تلاشى... ومعه تبخّرت أوهام الدولة في صنعاء!

تغريدته الأخيرة ليست إلا أنينًا داخليًا، وتمردًا ناعمًا على جماعة لم تعد تحمي شيوخها، بل تُهينهم، أو تُسفرهم في "حاويات السمك"، بينما قناديل صعدة يتفاوضون من عدن على تصدير النفط مقابل تسيير رحلات من مطار صنعاء!

صراع داخلي أم بداية تمرّد؟

تضامن آل العزي مع آل الزايدي لم يكن موقفًا قبليًا عابرًا، بل مؤشرًا على تصدّع التحالفات داخل الجماعة.

وما كتبه العزي لم يكن تضامنًا... بل تأنيبًا ومرارة من جماعة كانت تحتفي به، وتمنحه الدور والتنظير، فأصبحت اليوم تهمّشه وتهينه.

الشرعية تتحرك... ولا تساوم

الدولة الشرعية لم تُعلّق سلاحها، ولم تساوم على سيادتها. من تفكيك خلايا حوثية، إلى القبض على الضابط الزايدي – لا الشيخ –، فإنها تثبت أنها تمضي في الطريق الصحيح.

وحتى في ظل الوساطات العُمانية، نأمل ألا تكون قد رضخت، إلا من أجل إطلاق سراح المناضل محمد قحطان وأمثاله من المعتقلين السياسيين.

الشرعية لم تستجب للابتزاز، ولا لتهديدات ما يُسمى "قوات الموت" الحوثية.

قنابل صوتية!

تزعم الجماعة أن لديها 300 ألف مقاتل، وتُلوّح باجتياح المدن!

لكن الحقيقة أن ما كانت تُعدّه تحت شعار "تحرير فلسطين"، لم يكن سوى بروفة لاجتياح المدن اليمنية!

الجماعة اليوم مفكَّكة، عاجزة، فاقدة للحاضنة الشعبية، ولا تستطيع تحريك جنديٍ واحد خارج صنعاء، إلا بصفقة أو بإذن خارجي، إيراني تحديدًا!
وتهديداتها ليست سوى قنابل صوتية لتغطية الفشل!

القبائل... اختبار الولاء والكرامة

حتى الشيخ حسين حازب، أحد أبرز وجوه المؤتمر الموالية للحوثيين، ناشد قبائل جهم في المناطق المحررة للتدخل لإطلاق سراح الزايدي.

بل ذهب أبعد من ذلك، ووجّه نداءه إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، ورئيس هيئة الأركان الفريق صغير بن عزيز، قائلًا:

"ولهذا أقول للدكتور رشاد العليمي، رئيس مجلس قيادة سلطة الأمر الواقع في المحافظات المحتلة، والقائد الأعلى للقوات العسكرية – الحاصل على الدكتوراه في عرف القبيلة اليمنية –، والفريق صغير بن عزيز، أحد مشايخ بكيل ورئيس الأركان هناك: لا تقعوا في خطأ قاتل، ولا تضعوا أنفسكم في محذور، قد تخسرون فيه أكثر مما تربحون، وعليكم أن تُسرعوا بالتوجيه باستمرار رحلة الزايدي دون أي اعتراض!"

هذا الاعتراف الضمني بشرعية الدولة، رغم أنه جاء بلبوس قبلي، هو إدانة للحوثيين قبل غيرهم!

هزّك عِرق المشيخة... وكان الله في عونك يا شيخ "حازب"، ولا أظن أن العصابة الحوثية ستغفر لك هذه المناشدة، ولا هذا الاعتراف!

إن إعلان النكف من شيخ موالٍ للحوثيين يُعدّ إهانة للقبيلة التي طالما كانت مصدر كرامة ورفض للذل.

وعلى القبائل وشيوخها أن تتوحد ضد من أهان شيوخها وزجّ بهم في المجهول.

كيف يرسل الحوثي أحد كبار شيوخه إلى عُمان عبر المهرة، التي يعتبرها "غير محررة"؟
أليس هذا استخفافًا بالشيوخ والقبائل؟

هذه الحادثة يجب أن توقظ قبائل جهم وسواها، وتدفعها إلى إعادة ولائها للدولة، لا للمليشيا!

خلاصة القول:

حادثة توقيف الزايدي، وتغريدات العزي، وردود الفعل القبلية، والتهديدات الجوفاء.. جميعها كشفت عمق الانقسام والضعف داخل جماعة الحوثي.

أما "السلاح المعلّق" على الجدران، فهو أبلغ تعبير عن نهاية لا تأتي بالرصاص، بل بالتفكك، وفقدان الثقة، وسقوط الهيبة!

يا حسين العزي... "اليوم الكبير" لكم قد ولّى!

يومك، يا حسين، ـ وفقًا لتواتر الأخبار ـ قد أتى..
أما جماعة الحوثي التي كنت أحد قادتها ومنظّريها، فقد كان "يومها الكبير" هو نكبة 21 سبتمبر.

أما اليوم الكبير الحقيقي، فهو يوم زوال تلك النكبة...
يوم سقوط المشروع والانقلاب... يوم عودة الجمهورية والدولة، لا يوم البنادق المعلّقة!

فـ"اليوم الكبير" لنا لم يأتِ بعد، لكنه آتٍ لا محالة بزوال مشروعكم، أما أنتم، فقد كان يومكم ذاك اليوم المشؤوم!

ولأن اليوم الكبير لم يحِن بعد، فإن على الشرعية أن تُحسن صناعته؛ بإرادة لا تساوم، وبقرارات لا تُجامل، وبحشد الطاقات الوطنية تحت راية الجمهورية، لا رايات المساومات.

فزوال الانقلاب لا يأتي بالتمنّي،
بل بإستراتيجية تحرّك الأرض... وتكسر الوهم!

المقالات