د. شادي صالح باصرة
عقدة اليمن في ابجديات الحراك الجنوبي
الثلاثاء 25 فبراير 2020 الساعة 00:37
مشكلتي مع اخي المنادي بالانفصال ليس في قضية الانفصال ذاتها، ولكن في اليات الانفصال وغياب الإبداع في ابجديات نضال الحراك الجنوبي.

يغيب الإبداع عندما يسمي قادة الحراك جنوب اليمن بدولة الجنوب العربي وهي تسمية بريطانية لدولة تكونت من مجموعة سلطنات ولم تستمر هذه الدولة لأكثر من 10 اعوام، والاهم من ذلك لم تدخل حضرموت (أكبر محافظات جنوب اليمن) هذا الكيان ابدا. فهل يعني هذا ان الحراك يتخلى عن حضرموت ضمن الجنوب المنشود؟ أيضا، كيف يحتفل أصحاب هذه الفكرة بثورة 14 أكتوبر ذكرى التحرير من الاستعمار البريطاني وفي نفس الوقت ينسبون أنفسهم لدولة سماها مندوب سامي بريطاني محتل! فهل يظن ان الحضارم وغيرهم من مناطق جنوب اليمن سينسبون أنفسهم لجنوب عربي مجهول ليطمس بهذا حضرميته ذات التاريخ الذي يمتد لألاف السنين!

تناقض اخر لا أستطيع تفسيره يكمن في استخدام الحراك الجنوبي لعلم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في معظم حشوده وساحاته الثورية وهو العلم الذي يحمل في جانبه مثلث ازرق ونجمة حمراء. فكيف يتغافل الكثير من الجنوبيون عن حقيقة أن العلم يمثل جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وهو الاسم الذي كان يطلق على الجنوب قبل ان تتم الوحدة وفي وقت كان جنوب اليمن يتحلى باستقلالية القرار في ستينيات القرن الماضي. أليس هذا تناقض غير مبرر، فهل يجب ان ننسلخ عن تاريخنا كشعب حتى نتخلص من الوحدة الاندماجية الظالمة. لماذا يتحول كل جنوبي لمدرس في الجغرافيا والتاريخ كلما اهم بالإجابة عن السؤال "من أي دولة انت؟" ليبدأ الجنوبي بإعطاء مقدمة خلدونية عن كيف كان الجنوب دولة مستقله وكيف ازدرى حالة بعد وحدة 90 وبعدها يتم سرد قصه حرب 94 الظالمة وعصابة 77، كل هذا حتى يجيب الجنوبي عن سؤال بسيط من اين انت؟ لماذا يجب ان ننسلخ عن تاريخ اليمن الكبير والذي يمتد لألاف السنين فقط من اجل التخلص من ماضي كنا شركاء في صنعة بإرادة ووعي كاملين عندما دخلنا في وحدة اندماجية غير مدروسة مع الشمال، وقبل أن نعرف صالح وعلي محسن وال الأحمر و الصماد؟. فشأنا ام ابينا، أي وحدة اندماجيه بين شعبين احدهما 20 مليون والأخر 5 مليون تجعل من الشعب الصغير اقلية داخل الوطن الكبير، هكذا تقول الرياضيات دون التشعب في نظريات المؤامرة واعداء الجنوب من نخب صنعاء الخ.

لنتعلم من صراع الكوريتين! صراع يهدد السلام العالمي كله!، صراع بين دولة تمثل اكبر اقتصاديات العالم في الجنوب ودولة في الشمال تحوي اكبر ترسانة عسكرية قادرة على خوض حرب عالميه ثالثة لوحدها، ومع هذا لم يلجئ أحد الطرفيين لازدراء هويتهم الكورية، بالعكس يكمن النزاع هناك عن من هو الكوري الأصلي؟ لماذا نتخلى عن مئات الأحاديث النبوية الشريفة التي تتحدث عن فضل اليمن، ونتخلى عن المواضع التي ذكرت فيها اليمن في الانجيل والتوراة، وعن القناعة الراسخة لدى الإخوة العرب عن كون اليمن هي اصل العرب! فكم التقيت من اخوة من ليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا وغيرهم الكثير الذين يتفاخرون بجذورهم اليمنية. وبغض النظر عن مدى صحة هذه القصة تاريخيا، فهل يجب ان نرمي كل هذا الإرث الكبير وراء ظهورنا من اجل صراع سياسي و حقوقي.

انظروا إلى دويلات ناشئة مجاورة تدفع المليارات لصنع ارث حضاري من لأشيء فهم إن وجدوا قطعة سيراميك "إيطالية الصنع" في الصحراء لا يزيد عمرها عن 40 عام تقوم الدنيا ولا تقعد ويُحتفظ بها داخل الواح زجاجية ضخمه في المتاحف لتدلل على حضارة ذلك البلد وتجذره في عمق التاريخ؟. لماذا لا ينادي الجنوبي بدولته الحرة المستقلة باسمها القديم "اليمن الجنوبي"، بل وليدعي انه اصل اليمن والعرب قاطبه؟ هذا القصور الإبداعي الساذج امتد إلى النشيد الوطني لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية " رددي أيتها الدنيا نشيدي" من كلمات عبد الله عبد الوهاب نعمان، وهو نشيد اليمن الجنوبي منذ العام 1979 إلى العام 1990 وهو نشيد جميل بألحان خالدة والذي اعتمد بعد الوحدة بعد تغييرات طفيفة فيه ليكون نشيد دولة الوحدة، بينما كان نشيد الجمهورية العربية اليمنية هو نشيد في ظل راية ثورتي. فبدلا من أن يقاضي الجنوبيون الشمال في المحاكم الدولية لإبقاء على نشيدنا القديم بحجة ان الجنوب صاحب الملكية الفكرية للنشيد، تخلى الجنوبيون عن هذا النشيد "ببلاش" واستعاضوا عنه بنشيد متواضع ورديء يتحدث عن "موطني الجنوب" فلا يحدد اين هذا الجنوب التائه في هذه الكره الأرضية التي يشكل نسبة الأراضي الجنوبية فيها 32% بما في ذلك القارة القطبية الجنوبية...

برأيي، لا يجب ان يقودنا الغضب إلى التخلي عن كل ما هو جميل فقط لإظهار حنقنا على الاخر ولأن ماضي الوحدة كان مؤلما لجنوب اليمن. بهذه العاطفة دخل الجنوب الوحدة الاندماجية دون تخطيط، وبها مره أخرى نصنع جنوب دخيل مجهول النسب والهوية. نعول على الجيل الشاب ليكونوا أكثر ابداعا من ابائهم في نضالهم السلمي العادل من اجل حقوق أهلنا المشروعة في جنوب اليمن.
المقالات