كسابقاتها تكرر أيامنا نفسها حاملة ذات الأخبار والتفاصيل والملامح .. وحده عزرائيل يواصل التحليق والدوران حولنا بأرديته السوداء، منتزعاً أرواح من نحب، فيما الأحزان والأوجاع تنمو وتتعاظم في غوار أرواحنا والمدى.
شكوت لإبنتي هول التعب، وتعاظم الشعور بالإنهاك الذي بات يلازمني إثر رحلة ضياعي في هذه الحياة الممتدة لـ«٤٣» عاماً، وجسامة الخسارات والخذلان والفشل المتوالي الذي منيت به خلالها.
قالت متعجبة: «عن أي تعب وفشل تتحدث يا بابا؟! .. بالعكس يجب عليك أن تحتفل وتفرح على الأقل أنت لحقت نفسك وإستمتعت وعشت حياتك لفترة بالطول والعرض .. إن كان هناك من أحد ضائع وخاسر وفاشل ويائس ومحبط في هذه البلاد، فهم نحن أبناء هذا الجيل».
للأسف يا أصدقاء هكذا تبدو الحياة والمستقبل في نظر أطفالنا .. فلا تنعتوني بـ«المُحبط واليائس» .. لأن هذه هي الحقيقة التي نحن ملزمون بالإقرار بها .. الجناية التي إقترفنا أيها النبلاء لم نكن وحدنا ضحاياها، وإنما الضحية والخاسر الأكبر هو الوطن وهذه الأجيال البريئة التي ستعقبنا.
كونوا شجعان واعترفوا .. قروا بأننا نتصارع مع المجهول والخواء .. وأنه لا يوجد هناك من عدو يتربص بنا سوى أنفسنا .. وأن خلافاتنا وصراعاتنا وحروبنا عبثية، وجميعها لم تنتج سوى المزيد من الفوضى والمآتم والخراب والعدمية .. ونحن وأبناءنا من ندفع ثمنها ونتحمل وزرها وتبعاتها.
كفى مكابرة ومغالطة وجنون، إعترفوا الآن فلا يزال هناك متاح للتوقف والمراجعة والتصحيح .. قروا بالخطأ قبل فوات الأوان، وأسلموا أنفسكم وأرواحكم سخط ولعنات الأجيال.