علي البكالي
ذكريات اليوم المشئوم نكبة 21 سبتمبر 2014
الأحد 22 سبتمبر 2019 الساعة 14:29
كان الحوثيون قد حاصروا صنعاء من كل اتجاه وخندقوا على اطرافها وعسكروا منذى اربعة اشهر .

وقبل خمسة أيام بدأوا التقدم نحو المطار وحزيز وشملان ونقطة الأزرقين وعسكروا بجوارها .

أما في شملان ووادي ظهر فأحدثوا مجزرة رهيبة في جنود الفرقة الذين خرجوا لفك الحصار على العميد صالح عامر، وكمن لهم الحوثيون على الطريق من جولة شملان إلى وادي ظهر.

كانت أول بيعة عملية من اللواء محمد الحاوري للفرقة.

أكثر من سبعين جثة ظلت مرمية على طول الخط وفي مداخل الحارات الى اليوم الثاني.

كنت اسكن شملان على خط الوادي وأمام بيتي سقط عدد من الجنود كمن لهم الحوثيون في بعض بيوت مناصريهم على الخط الرسمي.

منذ حدوث مجزرة شملان بدأ التركيز ولم أعد أستطيع الدخول أو الخروج إلا متخفيا وفي أوقات ما بعد الفجر وكنت اقضي أغلب أوقاتي متنقلا عند بعض الزملاء في الستين وهايل والجامعة ولا أعود البيت إلا بعد الفجر لأغادرها قبيل العصر من حواري خلفية اخرج متنكرا كيلا أعرف بسبب مشاركاتي في القنوات، وكان احد بلاطجة الحوثيين في شملان واسمه وليد الغشمي قد أتى الى بيتي مهددا اولادي يتوعد بقطع لساني إن ظهرت في القنوات مجددا.

في يوم ٢٠ سبتمبر خرجت كعادتي متخفيا قاصدا الجامعة وبعد الظهر اتصل بي أحد الزملاء مراسل أحد القنوات يبلغني بمشاركة في نشرة التاسعة مساءا.

كان الحوثيون إذ ذاك قد بدأوا التمدد من شملان باتجاه مذبح وأقاموا عشرات النقاط المسلحة.

وفي نفس اليوم سيطروا على خط المطار وحاصروا الداخلية والنجده.

وعلى خط عمران تقدموا من نقطة الأزرقين إلى ذهبان.

أما عند مدخل صنعاء الجنوبي فكانت الاشتباكات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة تسمع في حزيز بجوار معسكر السواد.

وعلى مدخل صنعاء الغربي من بني مطر خندقوا بجوار معسكر الصباحة وتقدموا إلى التباب المطلة على عصر.

كنت أشاهد الموقف وأسأل نفسي في حيرة شديدة ماذا لو سقطت صنعاء بيد الحوثيين؟ وهل سيحدث ذلك؟ ويأتيني الجواب سريعا وحازما ليقول لي إننا أمام خيانة كبرى للجمهورية! ألم تشاهد كيف خان الجيش ووزير دفاعه عمران واسقطها بيد الحوثي؟

وكيف سلم الحوثيين المعسكرات حول صنعاء؟ إنها والله خيانة عظمى.

بادرني مذيع نشرة الأخبار عبر الشاشة من القناة قائلا : ماذا يجري برأيك في صنعاء؟

أجبته، ما يجري يا سيدي حصار يمهد لانقلاب عسكري على السلطة المنتخبة تمالئت فيها بعض القوى السياسية التي تحالفت مع الحوثي سرا لإسقاط الحكومة.

رد المذيع ولكن هم يتحدثون عن الجرعة وفساد الحكومة .

قلت : هذه شماعة لإسقاط صنعاء بيد الحوثيين.

قال : وهل برأيك ستسقط صنعاء بيد الحوثيين أم سيعود نظام صالح من جديد؟ أم ستكون هناك شراكة من نوع آخر؟

أجبت: لن يكون هناك أي شراكة بل سيعمل الحوثيون على التفرد بالسلطة وحدهم وإقصاء خصومهم ثم حلفائهم لأن تاريخ الإمامة في اليمن استبداد شمولي لا يقبل أي شراكة.

خرجت من القناة واخذت تاكس أجرة ولحقتني دراجة نارية عليها اثنان مسلحان، وشعرت بالخطر فغيرت الطريق واتجهت شارع هايل لأبيت في مقر المنتدى السياسي الذي كنت أحد أعضاء هيئة إدارته.

كنت مشهورا إذ ذاك في القنوات الفضائية بمعارضتي الشديدة للحوثيين ووصمهم بدعاة الإمامة وكنت قد انخرطت مع آخرين منذ شهرين على الأقل في التحضير لفعالية الإصطفاف الشعبي تلك المظاهرة الشعبية الحاشدة الرافضة لاقتحام الحوثيين لصنعاء.

وقبيل النكبة بأيام قلائل اقمت وبعض الزملاء الباحثين والأكاديميين ندوة ثقافية لمناهضة العنصرية الحوثية والإمامة بتاريخ ٩ سبتمبر ٢٠١٤م بعنوان الملتقى العلمي بحث خطر العنصريات على الدولة الوطنية قدمت فيها تسع أوراق بحثية وغطتها القنوات الفضائية والجزيرة مباشر حذرنا فيها من تكرار حصار السبعين وعودة الإمامة، وفي الندوة أطلقنا التحذيرات بالانقلاب على الجمهورية وعودة الإمامة الكهنوتية.

في صباح يوم ٢١ سبتمبر المشئوم جاءتني رسالة من أحد الزملاء ناشطي اليسار عضو مؤتمر الحوار نصها (سيحدث اليوم حدث رهيب ستختفي الفرقة وعلي محسن والإصلاح وجامعة الإيمان والى الأبد)!

كانت المواجهات العنيفة قد بدأت منذ الصباح الباكر في شملان والضرائب وشارع الثلاثين وتبت صادق وفي خط المطار وحول المطار، وكانت الأخبار تفيد بتطويق الحوثيين للمطار بشكل كلي.

اتجهت الى كلية التربية لإكمال معاملة الاعداد لمناقشة رسالة الماجستير كالعادة ورأيت في الحرم الجامعي أمر غريب.

بعض الأكاديميين المحسوبين على التيار الزيدي يبشرون بالثورة ضد فساد الإصلاح وعلي محسن.

وخارج الحرم الجامعي مظاهرة متوسطة الحجم تتجه صوب الدائري ورئاسة الوزراء ترفع شعارات إسقاط حكومة باسندوه يرافقها مسلحون بالزي الشعبي.

تناولت الغداء في شارع الرقاص ودخلت سوق القات ورأيت مسلحين بزي شعبي يدخلون السوق بكثافة! ماذا يجري؟

عدت للمنتدى السياسي وحضر بعض الأكاديميين والباحثين الزملاء للمقيل وفجأة رأينا طقمين عسكريين عليهما مسلحون بزي شعبي يقفون بجوار مقر المنتدى أمام بيت عقبات.

كانت المواجهات تزداد ضراوة وتقترب من شارع الستين وجامعة الإيمان، والأخبار تتحدث عن اقتحام حوثي لصنعاء وكان أحد الزملاء يهدئ من روعنا بالقول: أن هناك ٧٠ ألف شاب جاهزين للدفاع عن صنعاء.

تمام الخامسة عصرا بدأ الضرب على الفرقة الأولى مدرع بكل انواع الأسلحة الثقيلة .

صعدنا سطح المنزل لنشاهد القذائف بعد المغرب وهي تمطر الفرقة بوابل من لهب.

جاءت الأخبار أن الرئيس هادي كلف مستشاره علي محسن صالح بقيادة معركة الدفاع عن صنعاء والعودة لقيادة الفرقة.

لم نكن نتوقع أن يحدث أي تغيير في المعادلة فصنعاء تسقط وتذبح في تلك اللحظات والجيش يستسلم للحوثيين بأوامر وزير الدفاع الخائن محمد ناصر احمد الحسني ولن ينقذها أحد.

سكت أغلب الإعلاميين المناهضين للحوثي خوفا في تلك الليلة وبقيت القنوات الفضائية تتصل بحثا عن ضيف معارض من صنعاء يتحدث عن وجهة نظر أخرى.

اتصل بي مراسل الحدث والعربية تباعا بعد المغرب للمشاركة وتحركت فداخلت بمشاركتين مبينا أن ما يجري هو اقتحام عسكري حوثي لصنعاء بالتحالف مع بعض القوى المنتقمة وخيانة وزير الدفاع.

انتقلت الى فندق مرسيليا بجوار بوابة الجامعة، فقد ابلغني مراسلي بعض القنوات بأن أظل جاهزا للمشاركة طوال تلك الليلة.

نزلت في غرفة في الدور الرابع من جهة الجامعة ولم تمض ساعة من جلوسي بالغرفة حتى فاجأتني قذيفة رشاش عيار ٢٣ اخذت جزءا من ركن الغرفة الخارجي وتطاير زجاج النافذة بسببها على طول الغرفة.

قمت مسرعا اتصل بعامل الاستقبال أطلب منه تغيير الغرفة لكنه فاجأني فطلب مني المغادرة.

نزلت مسرعا آسأله عن السبب أفاد بأن مسلحين حوثيين جاءوا للبحث عني وأنه غير مسؤول اذا حدث لي مكروه.

اخذت تاكس أجره من باب الفندق وغطيت وجهي بالشال واتجهت إلى اخر شارع هايل حيث كان أحد الأصدقاء من أبين ينزل في أحد الغرف هناك في فندق قديم اتصلت به ونزلت عنده.

تمام الساعة الثالثة فجرا ذهبت لمكتب الحرة للمشاركة في نشرة الأخبار عن أحداث صنعاء، وعند دخولي مكتب القناة لاحظت سيارة هيلوكس بها عدد من المسلحين الملثمين بمقربة من المبنى، وما إن خرجت من القناة وانعطفت إلى الشارع الرئيس الدائري قرب مفروشات الجوبي، وصعدت دراجة نارية لتقلني حتى انسكبت بين أقدامي عدة طلقات نارية.

لم تكن تقصد كما يبدو قتلي ولكن اخافتي لأتوقف عن القنوات، وهو ما أكدته قناة المسيرة بعد نصف ساعة فقط من إطلاق مجهولين النار علي إذ كتبت القناة في شريطها الإخباري (مسلحون مجهولون يغتالون الناشط السياسي علي البكالي).

اتجهت صوب شارع هايل إلى منزل العميد الشهيد أحمد الأبارة رحمه الله رفيق النضال فقد كان معنا في كل نشاط مناهض للحوثيين بل ومشارك على القنوات الفضائية كمحلل عسكري.

اتصلت بالعميد رحمه الله ليفتح لي الباب في ذلك الوقت المتأخر من الليل وقصصت عليه الحدث وطلب مني عدم مغادرة المنزل وإغلاق التليفون.

كانت الرسائل والاتصالات تنهال من الأصدقاء ومن الأسرة تسأل عني بعد أن قرأوا الخبر في شريط المسيرة، وأضررت للرد على البيت لأطمئنهم بأنه خبر كاذب، ثم بقيت في منزل العميد رحمه الله حتى بعد الظهر وخرجنا لنشتري قات من سوق هايل.

كان الحوثيون ساعتها قد أتموا السيطرة على الفرقة والجامعة والإذاعة والتلفزيون وقد سيطروا على مقر القيادة العامة في التحرير ورئاسة الوزراء وقدمت الحكومة استقالتها، كما سيطروا على مخازن أسلحة وزارة الدفاع كاملة، وقد رأيناهم يأخذون الدبابات والعربات والأطقم والمدرعات ويتجهون بها صوب عمران وصعدة!

أما اللواء علي محسن صالح فكانت الأخبار تتوارد عن خروجه من صنعاء متجها إلى مكان أخر.

ذهبنا للمقيل عند الزميل العزيز ثابت الأحمدي، وظللنا نتابع الأخبار بحزن كبير ودموعنا تذرف حسرة وألما على البلاد، ننعي أنفسنا ونندب حظنا ونستذكر خيانة النخب للجمهورية، كنا نحاول أن نحدد وجه الخيانة وأسبابها، نحاول أن نمني أنفسنا بأمر أخر يخبؤه القدر لتعود الأمور إلى مجاريها.

كنا نمني انفسنا بخروج القوى السياسية والعسكرية المعارضة للحوثيين من صنعاء لتحشد باقي المحافظات كمقاومة مسلحة وتعود لفتح صنعاء من جديد كما فعل احمد عبد ربه العواضي ورفاقه في حصار السبعين .

اخذنا نكتب الأفكار فكرة تلو أخرى ولكن الأخبار كانت تفاجؤنا بأن المبعوث الأممي جمال بن عمر ومعه احمد بن مبارك عادا من رحلة إلى صعدة للقاء الحوثي عبدالملك، وقد عادا بعد استقالة حكومة باسندوة ليبشرا اليمنيين بالوصول إلى اتفاق مع عبدالملك الحوثي ينهي الحرب ويقيم حكومة كفاءات تسمى صوريا شراكة وأن المطلوب توقيع اتفاق استسلام من الرئيس هادي والأحزاب السياسية باسم اتفاق السلم والشراكة.

كان الإعلام في تلك اللحظات يبشر بانتهاء الحرب وافتتاح عهد جديد فيما كنا الثلاثة نتحدث عن تواطؤ دولي مع الحوثيين ضد الدولة والجمهورية وأن ما يسمونه اتفاق السلم والشراكة انما هو خطة اخضاع واستسلام للحوثي بمباركة أممية.

ظللت أراقب الأخبار متخفيا ومتنقلا من بيت العميد العميد الأبارة إلى بيت الزميل ثابت الأحمدي مدة ثلاثة أيام ولم استطع العودة إلى منزلي ولا الظهور في الإعلام وكنت اذا خرجت إلى الشارع أرى وجوه المسلحين ترمقني بشرارة من نار.

لكنني قررت بعدها العودة متخفيا إلى البيت رغم المخاطرة كما قررت العودة للاعلام ولكن بشكل أخف ضراوة وحدة، أما الأحزاب السياسية فقد وقعت على السلم والشراكة وشكلت حكومة كفاءات حوثية بقيادة خالد بحاح الذي اختاره الحوثيون دون سواهم ليرأس تلك الحكومة، وبدأت القوى السياسية مشوار حوار عبثي في موفمبيك يتحكم فيه غلمان الحوثي، غير أن ذلك الحوار العبثي والحكومة الشكلية قد شغلا الحوثي عن مطاردة السياسيين والناشطين فترة وجيزة، وجدنا فيها متنفسا للحديث بحذر شديد، واذكر أني استضفت بعدها عدة مرات في قنوات إخبارية ويقابلني أحيانا الحوثي محمد البخيتي أو حسن الصعدي وكنت أتناول الحوثيين كإماميين ومشروع تدميري ضد الجمهورية واكشف عن تحالفاتهم المشبوهة مع إيران، وهم يردون بقسوة، ولكن حاجز الخوف كان قد انكسر وبدأنا ننظر إليهم كمليشيا فيد ونهب، إلا أننا والعميد الأبارة رحمه الله تعرضنا بعد فترة للملاحقة بسبب مشاركاتنا التي لم تنقطع في القنوات، وهو ما اضطرنا للخروج إلى عدن ثم إلى مأرب.
المقالات