محمد عزان
عقدة الحركة الحوثية من الحرية والرأي الآخر .
الاربعاء 24 يوليو 2019 الساعة 17:18
أستحواذ أنصار الحوثي على وسائل الإعلام والاستيلاء على منابر المساجد وسائر منصات خطاب الجماهير ليس إجراء آنياً نتيجة الظروف التي تمر بها البلاد؛ ولكنه تطبيق لمنهج الحركة قائم على أساس أنه ليس هنالك إلا رأي واحد وخطاب واحد، هو الخطاب الذي يقرره «العَلَم»؛ فهو - برأيهم - المصطفى من الله وقرين القرآن ووارث الكتاب، وهو دون سواه من يجب اتباعه والانقياد له في أمر الدين والدنيا.

وهنا سأنقل شيئاً من كلام الأخ حسين الحوثي فيما يتعلق بأُحادية الرأي، وسخريته من التفكير والنّظر والاعتماد على النفس في فهم الأمور، وذلك كنوع من التوثيق والإحاطة لمن لا يعرف:

خصص الحوثي ملزمة كاملة بعنوان (الإسلام وثقافة الإتباع)، خلص فيها إلى أن حرية التفكير والتعبير والرأي الآخر مجرد مؤامرة أمريكية غربيّة على المسلمين، وعن ذلك قال: «أضافوا شيئا آخر هو: حرية الرأي، والرأي الآخر، حرية الاعتقاد، حرية الكلمة، حرية الصحافة، حرية، حرية!! ما هذا الذي نزل في الساحة؟ من أين جاء هذا؟ ألم يأت من عند الأمريكيين؟ من عند أعداء الإسلام والمسلمين؟» .

ظل يؤكد في كثير من كلامه على أن ثقافة الإسلام والقرآن هي الإتباع، وليس فيها وِجَهات نظر ولا تفكير ولا تعدد آراء، والمؤمنون الصادقون - في نظره - هم الذين تخلوا عن حقوقهم وآراء ووجهات نظرهم، متسائلا: «ما الذي جعلهم ذائبين على هذا النحو؟» ويجيب: «إلغاء تلك القائمة الطويلة العريضة في نفوسهم: لي حق أن أكون كذا، ولي حق كذا.. ولماذا لم يعتدوا برأيي، ولي حق إبداء نظري ولي حق.. ولي... الخ».

يلُف الحوثي ويدور حول خطورة تعدد الآراء وما ينتج عنها من تفرق واختلاف، ليخلص بعد كل ذلك إلى أن هنالك رأي واحد يجب أن يتبع دون سواه وهو رأي «أهل البيت الذين يقرر هو أنهم أهل البيت»، واعتبرهم الصراط المستقيم في قول الله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم}.

سَخِرَ الحوثي ممن يحاول أن يقرأ ويفكر ويطلع ويكتشف الحقائق بنفسه، فقال: «كل شخص بِيْطَنِّن لوحده؛ لأن عنده أنه هو يستطيع [أن يفهم]. مثلما يقول البعض: اطَّلِع يا أخي قد خلق الله لك عقل؟ اطَّلِع واقرأ، وستعرف أنت خطأ وصواباً وحقاً وباطلاً من نفسك، ما تحتاج أي أحد.. هذه العبارات هي من أضل الضلال».

الخــــــــلاصة: أن العقول التي خلقها الله لنا، ليست قادرة - في نظر الحوثي - إلا على أمر واحد، وهو كيف نتعرف على أهل البيت لنُسلم لهم الأمر، ثم نفكر بعد ذلك ونبدع في تنفيذ ما يريد العَلَم ووكيف نمتثل أمره ونموت رهن إشارته!

والمُفزع في الأمر .. أن هذا هو موقف الحركة من الرأي الآخر، وما تفعله ضد مخالفيها ليس مجرَّد قمعِ سلطة غاشمة يمكن أن يزول مع تحول الأوضاع وإنتهاء حالة التوتّر؛ ولكنها عقيدة راسخة لدى الجماعة في أن الرأي الآخر يجب أن يخرس؛ حتى وإن كان اجتهاداً دينياً مبني على مناهج الاستنتاج وأصول الفقه وقواعد التَّفكير!.

لقد تجلت تلك الثقافة في سلوك الحركة، حيث استحوذت على القنوات والإذاعات والصحف، واستولت على الوكالات الأنباء ومراكز الدراسات ومواقع الأخبار، واغتصبت منابر المساجد، وفرضت نفسها على الجامعات والمدارس وسائر منصات الخطاب، وطَبَعت كُل ذلك برأيها الخاص.

كما فرضت رقابة صارمة من الرقابة على الأقوال المؤثرة وآراء ذوي الرأي، حتى المفسبكين وضعت كثيراً منهم تحت المجهر، وبات كثير ممن نعرفهم يُفكر ألف مرة قبل أن يكتب شيئاً أو يُسجّل إعجابه بما يعجبه.

كما يعرف الجميع أيضاً أنهم منعوا أي مسيرة جماهيرية سلمية تعبير عن الرأي الآخر؛ لأنهم يخشون الرأي الآخر أكثر من أي شيء، ولا يمكن أن يسمحوا لأي تظاهرة بأية حال ما داموا قادرون على منعها.

أما أساليبهم في قمع الرأي الآخر فهي تأتي على حسب المقام ومقتضيات الحال، فمنها القمع المباشر بالقتل أو السجن أو التشريد. ومنها: ما يبدأ باللوم والعتاب ويمر بالتحذير والنذير ويتطور إلى تهديد ووعيد وتهمة بالعمالة والارتباط بدول ومنظمات في الخارج، ثم يأخذ شكلاً إجرائياً بالضغط بالأقارب والأصدقاء وعليهم، ثم يأتي دور التضيق في المعيشة ورفع الدعاوى القضائية وتسليط السفهاء بالقول والفعل.

وكلام بعض المنفتحين منهم حول حرية التّعبير والتفكير وقبول الرأي الآخر واحترام الشراكة، مرحبٌ به ما لم يكن مجرد تكتيك يُطرح للاستهلاك الإعلامي.

على أننا نرى أن من الطبيعي أن يؤيد أتباع الحوثي رأي زعيمهم ويدافعوا عنه ويفرضونه على حياتهم، فذلك شأنهم وتلك حياتهم وهم أحرار فيها.. ولكن ما ليس طبيعياً ولا مقبولاً هو أن يفرضوه على حياة الناس ويتصرفوا مع المجتمع - كسلطة - على ذلك الأساس.

كان الاخ حسين يبرر رفض الرأي الآخر ومصادرة التفكير وتنوع الفهم بأن ذلك يتسبب في تفريق الأمة ويضعفها، والله يقول: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}.

وهذا كلام فيه تهويش وتلبيس خطير؛ وذلك أن «حبل الله» ليس رأي الأخ حسين أو غيره حتى نكون مطالبين بالاعتصام به!! ثم إن اتفاق الناس في تسيير شؤون حياتهم لا يتطلب مصادرة حرياتهم وحجر آرائهم وفرض الصنمية عليهم، فها نحن نرى كُبريات بلدان العالم كالصين والهند وأمريكا وروسيا وأوروبا حينما تخلت عن الكهنوت وعاشت الحرية والرأي الآخر تعش أمما قوية مُنتجة متماسكة تحترم الانسان وتحفظ حقوقه، بينما أقل كهنوت في بلادنا إذا حكم قرية أو مدينة فإنها تعيش طوال عمرها لا تعرف سوى الصراعات ولا تؤرخ لحياتها إلا بالحروب!.
المقالات