جنح الرئيس العراقي «برهم صالح» إلى السِّلم مع عدو يرفع السيف، جنح هو قبل أن يغمد خامنئي سلاحه، وأبرق إلى الأمانة العامة للجامعة العربية معترضاً بيان «قمة مكة» الذي ندّد بدعم إيران لميليشياتها ووكلائها في اليمن وغير اليمن.
أساء «برهم» استخدام اسم العراق وانحاز إلى هوية مزيّفة تقول إن الأكراد ليسوا عربًا، اغترابه يُذكِّرني بغربة أنصار «خامنئي اليمن» الذين أضاعوا ملك أسلافهم بجهل من لا يقرأ واستسلموا للشائعات والمرويات التي جعلت منهم مجرد أدوات مسلوبة القرار ومنزوعة الهوية.
رأيت برهم صالح وتذكَّرت صدام حسين، أتحسّر على ضياع عربي مثير للجدل رحل بأخطائه وحروبه إلى بارئه تاركًا خلفه العراق منتحلًا صفات أخرى، أقلها أن من يمثّلونه خلعوا عروبتهم عند أول باب لبغداد الحزين.
ينطلق برهم صالح من «مظلومية» الأكراد التاريخية التي تحوّلت إلى مقاعد محدودة في سلطة نهبتها المحاصصة العرقية والمذهبية، وكأن ذلك الوأد الرسمي كان أول أحلام الكرد وآخرها. لم يكن خطابه يمثّل العراق الكبير أو حتى الأكراد بعروبتهم الأصلية. يقول الطبري ويسانده ابن خلدون في مقدمته إن الأكراد هم «بدو الفرس»، ويؤكد «ابن عبد البر» في كتابه «القصد والأمم» أن الأكراد من نسل «عمرو بن مزيقيا بن عامر بن ماء السماء» وأنهم وقعوا إلى أرض العجم فتناسلوا بها وكثر ولدهم فسموا الأكراد. وقد أنشد شاعرهم يقول:
ولا يحسب الأكراد أبناء فارس
ولكنهم أبناء عمرو بن عامر
اغتراب الأكراد عن هويتهم وعمقهم وأصالتهم يُشعرني بالخطر، فمثلهم ينسلّ فريق من الجنوب اليمني عن حاضنته الأم مساء كل يوم، يفرون من أسرّة العائلة ليغرّدوا في وسائل التواصل الاجتماعي بكم هائل من التعليقات التي يعقرون فيها يمنيتهم وهم يفرحون! ويغترب أضعافهم في الشمال عن هويتهم ومعرفتهم بأسماء وأماكن وقصور أسلافهم ليدوروا في فلك «الساسانية» التي ما تزال حاضرة بإرثها المكتوب مُجسّدة - وحدها - التدوينة الأخيرة لسجل يمني مبهر في كل شيء إلا في حرصه على الكتابة والتوثيق.
تشكل الأكراد في عالم مفتوح فانضم إليهم أفراد ينتمون إلى الهند وباكستان وأوروبا أيضًا، وشكلوا معًا الأمة الكردية التي حافظت بمعياريتها التراثية على لغتها الخاصة التي لم تكن هي الأخرى سوى مصطلحات مغايرة لحروف عربية، وإن اختلف اللسان أو تعقد الفهم وغاب المعنى، لكن ما كان على الرئيس العراقي أن يقول شيئًا سوى أنه مع إخوته في مواجهة نظام عنصري تأثرت العراق بهمجيته وتدخلاته عقب سقوطه الكارثي على أيدي الأميركيين الغزاة.
أخطأت القومية العربية في خمسينيات القرن الماضي أنها لم تفتح أسوارها للأكراد لتعيدهم إلى حاضنتهم الأصلية، فأنتجت مثل هذه الهوية المبتورة التي عززتها كراهية الإقصاء وبشاعة الاستعلاء. ذلك ما سيأتي على اليمن الذي يفقد اليوم في ظل الاتكاء لمنقذ أممي إلى فقدان صنعاء، وإذا غابت صنعاء خسر العرب ضميرهم، وخسرت وطني، وستفقد القمة العربية القادمة صوتًا يمانيًا ما كان ينبغي أن يختنق منذ يومه الأول.
يقول المؤرِّخ (ولفنستون) إن أمة تغفل تدوين تاريخها وتهمل المحافظة على نتائج قرائحها لتورثه لخلفها، لآيلة حتمًا إلى أحط أنواع الهمجية مهما كانت درجتها في الحضارة والعمران). وعن الأكراد في اليمن سأكتب مرة أخرى، عيدًا سعيدًا يا صنعاء. ..
وإلى لقاء يتجدّد.