صلاح الواسعي
مشاهدات حية من خطوط التماس مع العدو
الاثنين 31 ديسمبر 2018 الساعة 21:43
صباح يوم أمس، كنت في عمل خاص في احدى المناطق القريبة من الجبهة الشرقية، في تعز، برفقة أحد أصدقائي، وبينما نحن هناك، خطرت لدينا فكرة أن نقوم بزيارة للجبهة الشرقية من خلال المرور في خطوط التماس مع العدو والاقتراب الى أبعد نقطة ممكنة حتى نتلمس وضع المقاتلين هناك ونطلع عن كثب في الأوضاع العامة التي تشهدها الجبهة هناك.
قمنا بتنفيذ الفكرة وشدينا الرحال، بالمصادفة قابلنا احد الاصدقاء المرابطين هناك فتكفل بالتعريف بنا لدى بقية المقاتلين وسهل امامنا عملية المرور والاقتراب من خطوط التماس اكثر فاكثر.
الوضع العام مستتب، الجبهات هادئة جدا، لا تكاد تسمع طلقة رصاص واحدة الا من طلقة معدل حوثية تنطلق أحيانا بصورة عشوائية من أحدي الثكنات العسكرية في القصر الجمهوري ناحية المنازل السكنية البعيدة عن الجبهة!.
الترتيب على مستوى عالي جدا، وجاهزية المقاتلين عالية، وأكاد أجزم انني لم ارى هناك بشر بقدر ما رأيت وحوش على هيئة أجسام بشرية، لا تكاد أعينهم تغادر تحركات العدو التي تترصد له في كل وقت وحين، وتتابع حركته بمنتهى الوضوح والدقة!
لكن ما يؤسفني جدا، هو أنني لاحظت أن جميع المرابطين هناك يعانون من نزلات البرد الشتوية القارصة ويشكون كثيرا وطأة البرد التي يصفها احدهم أنها اشد وطأة عليهم من وطأة الحوثي الذي يتربص هو الأخر بهم في الناحية الاخرى!
أقتربت من أحد الجنود، وسألته: هل لأن الحوثيون ليس لديهم الرغبة في الهجوم على المدينة هو سبب هذا الهدوء النسبي للجبهات؟، فجأني رد الجندي الذي كان مختلف تماما عن التصور المعتاد والسائد لدى البعض بما فيهم انا، وذلك حينما قال أن سبب ذلك يعود لشدة الخناق الذي نفرضه عليهم، وهناك محاولات كثيرة للتقدم والهجوم لولا عدم قدرتهم على التحرك قيد أنملة جعلهم عاجزين عن التزحزح من أماكنهم، سكت لبرهة، ثم أضاف ليؤكد صحة كلامه قائلا: صباح اليوم تمكن ابطال الجيش من احباط محاولة تسلل للقوات الانقلابية، وقتل احد القيادات الحوثية العاملة في التوجيه المعنوي والتي تاتي إلى جبهاتهم بشكل دوري، بالإضافة إلى قتل ثلاثة من مرافقيه، الأمر الذي أثير حنق الحوثيين لمقتل قائدهم، وحاولوا التقدم بإحدى مدراعاتهم، لكن مدفعية الجيش كانت لها بالمرصاد، حيت تمكنت من اصابتها وتدميرها قبل ان تخرج من فوهتها طلقة واحدة.
شعرت بنشوة النصر تجتاحني، وموجة شموخ واعتزاز جرت في جسمي النحيل المتهالك، ودبت الحياة فيه من جديد وكأنني شخص اخر، حتى انني لم اعد اريد مغادرة المكان لولا الحاح صديقي الذي كان لا يزال امامه مهام اخرى يجب عليه إنجازها.
في المناسبة، ثمة جهود جبارة تبذل من قبل قيادات الجبهة الشرقية، وتأكدت تماما انها بمستوى المسؤولية، ومما زاد يقيني بذلك قول احدهم ان ذلك يعزى إلى ان القيادة هنا لا تكاد تختلف كثيرا عن الافراد.
هناك نقص كثير في المعدات العسكرية، والذخيرة، ونقص كبير في خدمات الجنود، فالقوت الدائم للجنود هو الفاصوليا، وأقراص الرغيف الجاف فقط، ولا شيء أخر، هكذا دواليك وعلى الدوام، والفرد الواحد يتسلم مصروفه اليومي (٢٠٠) ريال يمني، فقط لا غير، بشكل لا يكاد يصدق ولا يقبله دماغ عاقل، لكن والله هذه هي الحقيقة!.
هذا أمر، لكن الامر العاجل والذي المقاتلين في الجبهة الشرقية في حاجة طارئة اليه هو الجاكتات التي تقيهم وطأة ليالي الشتاء القارصة البرودة.
الجنود في حاجة عاجلة إلى : بطانيات، جاكتات، بجائم، دجلات، شربات، قفازات، أحذية، بيادات.
وعليه لا بد من تفعيل المبادرات التي تصب في صالح رفد الجبهات بهذه المستلزمات، ولا اكاد اتصور أن احد يبخل عليهم بذلك، بعد ما رأيته من استبسال وتضحية وفداء في سبيل حماية هذه المدينة، وحراسة ثغورها وشكناتها حتى لا يتسرب اليها أعداء الوطن والدين والعرض، اعداء الكرامة والانسانية والقيم النبيلة التي لا معنى للحياة من دونها.
لنترك الروح الاتكالية، ولنتغلب على النفس الامارة بالسوء داخلنا التي تمنعنا عن المساهمة في ارفاد الجبهات بالمستلزمات التي تحتاجها.