كلنا يقرأ سورة يس وربما نحفظها عن ظهر غيب، ولعل البعض يكثر من قراءتها على "الموتى".
وأظنني نمر عليها مرور الكرام عندما نقرأها، ومتيقن جدا أننا حين ننتهي من قراءتها تجدنا لم نفقه من حروفها شيئا غير أنها بلسان عربي مبين.
ربما يبرز أحدهم أو بعضهم معترضا فيقول أنا أقرأها بتدبر دائما، وافقه كل ما تخاطب به السورة.
أقول ربما كان عندك حق وقد اخطأت حين عممت، لكن دعوني أضع هذا السؤال لنفسي ولكم أيها القراء الفضلاء:
لماذا نزل القرآن؟!
الإجابة في سورة يس، في قوله تعالى: "لينذر من كان حيا!". ماذا يعني ذلك؟!.
يعني أن القرآن الكريم نزل علينا نحن الأحياء، ويخاطبنا نحن، وينذرنا نحن الذين مازلنا على قيد الحياة، ومقدمين على الآخرة.
لم ينزل على الموتى، ولا يخاطب من قد انتهت صلاحيتهم في الدنيا و أفضوا إلى ما قدموا، ولا ينفعهم.
يقول ربنا جل في علاه: "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم". فالهداية لا تكون إلا للأحياء، لكننا نتزلف ونشطط عن معاني القرآن وأحكامه، ونبحث في السراب، ونعيش في الوهم.
"لينذر من كان حيا"!
هل استوقفتك هذه الآية أيها الحبيب وأنذرتك حين مررت عليها في تلاوتك لها؟!
"أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها؟".
الإنسان الذي مات قلبه هو ميت حتى وإن رأيته يتنفس ويمشي على قدميه، فلا حياة إلا حياة القلوب، فالمعاصي و الذنوب تميت القلوب، وبالقرآن تحيا وتنتعش.
"لينذر من كان حيا" تعني لمن فتح قلبه للنذير وإن كان عاصيا مذنبا، أما من أعرض عن النذير فقد مات.
والموتى صنفان: موتى فوق الارض، وآخرون تحت التراب، وكلاهما لا يستفيد من القرآن الكريم!
فيا أيها الأكارم! لا تجعلوا الدنيا تسحبكم إلى المهالك، ولا تجروا ورائها كجري الوحوش في البرية لتنالوا من حلالها وحرامها دون تفريق، ولن ينالكم منها إلا ماكتبه الله لكم!.
يا من تتصارعون وتتقاتلون على لعاعة من الدنيا الفانية، وأكلتم اموال النساء واليتامى، ولن تخرجوا منها إلا بتلك الخرقة البيضاء الرخيصة الثمن ومن غير جيوب.
يا من تخوضون في أعراض الناس والصالحين والجماعات وبغير حق! يامن تبغضون المصلحين والعاملين لدين الله دون خجل من الله ومن أنفسكم!.
يا من ساويتم بين الحلال والحرام، واستمرأتم الحرام، وخنتم الأمانات وبعتم الأوطان والديار!
يا من تقفون في صف الباطل وتصفقون له، بل وتدعموه بالنفس والمال والكلمة!
أفيقوا أيها الناس!: "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد".
فياليت قومي يعلمون!