من بيروت عاصمة المهاجرين والمهجرين، من بلد الهجرات والنزوح بلد الطوائف والأديان المتآلفة أحيانا وغير ذلك أحيانا أخرى، نشارك اليونسكو تدشين التقرير العالمي حول تعليم المهاجرين والمهجرين والنازحين، قصص آمال وأحلام وطموحات ونجاحات عانقت عنان السماء وقصص مآسٍ وحرمان وقهر تدمي القلوب.
نعم بين هذا وذلك مفارقات وفروقات شاسعة وكأنه حديث حول الثرى والثريا. ببساطة الهجرات أوصلت المهاجر أوباما إلى سدة حكم أكبر دولة بالعالم وأوصلت المهاجر أحمد زويل إلى نوبل في العلوم وعشرات المهاجرين وصلوا إلى مناصب سياسية واقتصادية عليا وألوف اندمجوا في مجتمعاتهم الجديدة وألوف حسنوا أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية ودعموا أسرهم ومجتمعاتهم وبنفس الوقت الهجرات أوصلت ألوفا إلى البحر غرقًا وإلى غرف مغلقة سجونًا وإلى قارعة الطرق محرومين وبائسين وكلاً منهم يبحث عن فرصة الهجرة، للهجرات أثر إيجابي على دخل الأفراد والأسر والمجتمعات ولها في نفس الوقت آثار تدميرية على بعض المجتمعات، وفي الجانب الآخر هناك الهجرات القسرية والنزوح وهذه قصة أخرى لها ما لها وعليها ما عليها.
التعليم والهجرات موضوع شائك، آلاف الشباب لا يجدون فرصة التعليم وآلاف النازحين ومثلهم وأكثر المحرومين والمهمشين وذوي الإعاقة.
يظل التعليم هو حجر الزاوية وركنها حيث لا جدال أن التعليم الجيد ينهض بالأفراد والمجتمعات والدول والعالم وانعدامه يولد الفقر المجاعات والإرهاب والدمار.
يأتي التقرير في وقت يتم الإعداد لاتفاقيات دولية حول الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية، وكذا الاتفاق العالمي حول اللاجئين، وأعتقد أن هذه الاتفاقيات ستكون في مصلحة الأفراد والشعوب ورقي الإنسانية.
يعاني العالم العربي من هجرات اقتصادية وهجرة العقول ورأس المال، كما يعاني العالم العربي من الهجرات القسرية والسياسية ونزوح لم يسبق له مثيل في تاريخه بالإضافة إلى تدمير للمدارس ومنع التدريس وقصور في تمويل التعليم. يتضاعف القلق إذا علمنا أن ٢٢ مليون عربي لا يجدون فرصا للتعليم أو التدريب أو فرص عمل، ووصل في بعض الدول إلى ٤٥% من الفئة العمرية ١٧-٢٣ سنة أن جودة التعليم في العالم العربي لا تبشر بخير؛ حيث إن نتائج الاختبارات الدولية واسعة النطاق توضح بجلاء قبوع كل الدول العربية في أسفل القائمة وهذا مؤشر له دلالاته العميقة حول مستقبل المنطقة واقتصاديا وتقدمها ما لم يتم سرعة معالجته. كل ذلك يجعل التساؤل حول مستقبل المنطقة أمرا غاية في الأهمية خاصة في ظل عدم الاستقرار السياسي لكثير من الدول وعدم الاستقرار الاقتصادي لدول أخرى وازدياد مساحات الفقر والعوز المجتمعي وتراجع تعليم الفتاة.
يأتي التقرير ونحن نعد للمؤتمر العالمي حول التعليم والاجتماع العالي العالمي حول السياسات ٢٠١٩، إن رسالة العرب لهذه الاجتماعات يجب أن تكون واضحة حول القصور في جوانب جودة التعليم والتدريب وأثر الحروب والأزمات على التعليم والتدريب وإتاحته وجودته.
يأتي الحديث عن التعليم وجودته للمهاجرين والنازحين والمحرومين والمهمشين وذوي الإعاقة والفتيات باعتبار أن ذلك هو السبيل الوحيد لمجتمعات آمنة ونامية ومستقبل أكثر إشراقا وبهاء، وعن المعلمين ودعمهم وبناء قدراتهم في مجال طرق التدريس وقيم ومهارات القرن الحادي والعشرين وقيم التسامح والحرية والسلام وقبول الآخر باعتبار أن المعلم ركيزة التعليم وعنصرها الأساس.
يأتي الحديث عن جودة التعليم والتدريب والتعلم باعتبار أن ذلك هو الخيار الوحيد لتحقيق أهداف وغايات التنمية المستدامة. شكرًا لليونسكو ومكتبها الإقليمي للدول العربية وشكرا لمكتب التربية العربي لدول الخليج والشكر موصول لمعدي التقرير.
سنبني الأحلام والآمال والطموح إيمانًا منا أن شباب العرب قادرون على قهر الصعاب وكسر قيود التحدي والتخلف. إن العالم اليوم وبفضل تكنولوجيا الاتصالات قد مكن الكثير من الشباب من تحقيق ذاتهم وإبراز قدراتهم وأن العالم اليوم لا سبيل له إلا بالعيش المشترك والفهم المشترك وأيضًا هناك دعم سياسي غير مسبوق لقضايا التعليم وشعور مجتمعي بأنه لا سبيل إلا بتعليم جيد. إن إنجازات الإنسانية ستكون بخير وستعمل على رقي الإنسانية طال الزمن أم قصر.
د. عبد السلام الجوفي
عضو اللجنة التوجيهية العالمية للتعليم 2030