فالمادية لا تعني الحضارة وانما هي طبيعة بشرية للتطوير ويجاد حلول ميكانيكية قد تجدها في بلدان تقل فيها الاخلاقيات وحقوق الانسان وثقافة الإنسانية , ولا تعكس الحضارة والتي تعنى بقدرات المجتمع الإنسانية اخلاقياً وثقافياً ومجتمعياً ..
وفي الواقع , أننا اليوم نعاني أزمةً في الاخلاق والسلوك الإنساني , حيث أن الانسان عليه أن يرتقي في ذاته الى المستوى الروحي وهو اعلى مستويات النفس الإنسانية , فوصف الفلاسفة وعلماء الدين هذا بالروحانية , ولا اقصد هنا الروحانية الكهنوتية وهذه ليست روحانية بقدر ما هي دجل , واقصد الروحانية في تصرفات الناس فالروح من الله وهي زكية لا تتأثر بالمحيط البشري ولا بالنفس , وتبقى طاهرة, وهي باعتقادي المسؤولة عن الفطرة السليمة , أما النفس فتتأثر بحاجات الجسد , ولذلك وصفها الله بالنفس الامارة بالسوء ,ط.
وهنا يكمن معركة الانسان , بين الوصول الى اعلى مستوى في السلامة الإنسانية عقلياً وجسديا ونفسياً , ويظهر هذا في اخلاقنا وسلوكنا الإنساني مع اخينا الانسان ومحيطنا الأرضي وما به من كائنات فيكون الانسان حينها تواقاً وناشداً للسلام ومعالجة القضايا بشكل اكثر عقلي وانساني ويتخلص من الصفات السيئة والتي تذهب في الجانب الشيطاني كرمز لكل سيء وبائس وان زينهُ العقل ( وعامة البشر هو خليط بين الروحاني والشيطاني والسؤال هنا من يغلب في الاخر وفي السلوك ) ..
واليوم في بلادنا ساد الكثير من الفساد , وهذا رهن سلوكياتنا والطباع التي اختلط فيها السيء بالطيب حتى صار الطيب منها فاقداً لمعاييره الحقيقية , وساد الجشع والظن السيء , والارتهان للغير والنهب والاعتداء , وكثيراً من التجاوزات , جعلنا جميعاً رهن نزواتنا واحتياجاتنا , وهذا أدى الى تحلل تدريجي في المجتمع بدأ في اعلى هرم النظام السياسي والذي ساده الفساد وعشعش عليه صقور لا تتوارى في الاعتداء على الانسان قيمتاً وروحاً وعلى المجتمع نسيجاً وثقافتاً , وغاب العقل المجتمعي , ويظهر هذا في النخب المثقفة والمتعلمة والفلاسفة ورجال الحكمة ( الدين وغيرهم من وجاهات أصحاب العقل ) , فهم عقل المجتمع , حيث تلاشى في المجتمع ثقافة النخبة والتي كانت تتميز بأنهم المثقفون وأصحاب النظيرات والفلسفات ففيهم تنتج الأفكار والمشاريع الإنسانية التي تطور المجتمع وتُهيء للتقدم على الصعد الاقتصادية والمادية , وبدونهم لا يتقدم المجتمع وانما العكس يتحلل , وللأسف فان مجتمعنا اليوم فقد القدرة على الالهام , بفقدان بوصلته لاختيار نخبتهِ الحقيقية , وأصبحت النخبة اليوم أصحاب المال او المرتبطون بمشاريع خارجية بدعم مالي , حيث ساد المال كعامل حاسم في اختيار القادة .
وهؤلاء ليسوا قادة وانما مرتزقة لا يهمهم المبادئ والقيم , وانما مصالحهم , ولهذا , حين يبدأ المجتمع في التعاطي مع ثقافة الالهام بالأفكار لا المال سوف تتغير البوصلة وسوف يصعد فيها من يجمع كلمتها ويوحد صفها ويعزز مبادئ الاخلاق والقيم وتصعد حينها الامة بحضارة كبيرة .