عادل الحربي
العلاج بالكتابة..
الاربعاء 30 أغسطس 2017 الساعة 19:19

​يقال إنه كان يبكي كالطفل.. ويسأل مقاعد حديقة منزلهم عنها واشجارها كما يفعل المجانين.. اشتهرت حكايته في اندونيسيا بأنه الرجل العظيم الذي فقد زوجته وكاد لفرط حزنه أن يلحق بها.. الذي كاد أن ينتهي بعد وفاتها لولا عبقرية طَبِيب وجده غارقاً بفقده؛ يهذي باسمها ويحمل نفسه مسؤولية موتها بمرض السرطان في أحد ارقى المستشفيات الألمانية.. حاولوا اخراجه من حزنه بشتى الطرق حتى اهتدى طبيب ألماني إلى أن خير وسيلة لشفائه منها هي "الكتابة عنها"!!.

وافق الرجل الذي تخطى السبعين وقت ذاك على الانتظام بالكتابة.. كتب أول جملة "..... افتقدك" ثم أعاد القلم إلى مَكَانِه وراح يبكي.. في اليوم التالي كتب "الحياة بدونك أشبه بالجحيم".. ثم عادت له نوبة البكاء.. في اليوم الثالث اعتذر لها أنه لا يستطيع ان يكتب أكثر من جملة.. اقتحم طبيبه خلوته، سأله عن اخبار مشروع القصة، قال انه لا يستطيع الاستمرار لاكثر من بضع كلمات.. ربت على كتفه موافقاً.. لا بأس ببضع كلمات تصل إليها!!

كيف تصل إليها؟

هي تقرأ كل ما تكتبه بطريقة أو بأخرى.. لكننا اطباء ولا نؤمن بالافتراضات.. لذلك لك أن تجيب: ماذا يحدث أثناء وبعد الكتابة؟

أشعر وكأنني أهمس لها.. أحاول ألا ازعجها.. اخفض صوتي.. فهي دائماً ما تحضر نائمة.. لا اصر على القلم.. اختار الورق الذي كانت تفضله.. أحاول أن أقول لها الحقيقة.. الحقيقة فقط.. لانها كانت الوحيدة التي تعرف متى أكذب؟.

هذا ما أقصده.. بطريقة ما هي موجودة.. تحاورك.. وتختار معك كلماتك التي تكتبها.. أكتب لها عن مشروعك الذي تعكف عليه.. قل لها إنك ستوثق الحكاية.

في اليوم الثالث عرف الجميع أني في خلوة.. تركوني وحيداً.. أكتب.. احاورها.. وكلما قفزت سطرا ابتسمت.. وكلما وضعت نقطة اهدتني جملة جديدة.. حتى استوت امامي على الكرسي المقابل؛ تنصت لحروفي وتنبش معي في قصص غاصت عميقاً وكدت أن أنساها..

بعد الشهر الاول اعتذر الطبيب أنه مضطر للسفر لمدة اسبوع إلى ميونخ ليعود والدته.. شعرت انني لا احتاجه.. لا احتاج إلى جلسات تطفله على حكايتي.. لكني جاملته بأنني سأفتقده مع بضع توصيات لوالدته؛ أبى إلا أن يردها لي أضعافاً.. لم يكمل الاسبوع الا وقد عاد، لم أكد ألحظ غيابه، وكدت اتهمه بانه لم يسافر اصلاً؛ لولا خوفي من أن امنعه عن تكرار غيابه الذي راق لي وكأنه فسحتي منه.. سألني عن مستجدات الكتابة فأخبرته أنها تسير على ما يرام.. لمح لي برغبته في قراءة ما أنجزته.. اعطيته صفحة كنت اتحدث فيها عن الطقس.. ابتسم وأكمل ساعته يتحدث عن الطقس في قرية والدته.. عندها عرفت أنه خرج من حكايتي إلى الأبد.. وأن مهمته بعد الكتابة.. انتهت.

المقالات