منذ توقيع اتفاقية استوكهولم في ديسمبر 2018، تحول ميناء الحديدة من شريان اقتصادي يمني إلى حصن عسكري لمليشيا إرهابية تهدد الملاحة الدولية. ورغم الترويج للاتفاق كخطوة نحو السلام، إلا أن الوقائع على الأرض تكشف أنه كان في حقيقته مكافأة سياسية مجانية لعصابة الحوثي، منحها فرصة لإعادة التموضع وتوسيع نفوذها تحت مظلة الشرعية الدولية.
من اتفاق إنساني إلى غطاء عسكري
جاء الاتفاق عقب ضغوط دولية لوقف معركة الحديدة التي كانت على وشك الحسم من قِبل القوات المشتركة. حينها، كانت المليشيا تعيش لحظة انهيار في الجبهة الغربية، وكان الطريق إلى تحرير الميناء الاستراتيجي شبه مفتوح. لكن “الحكمة الدولية” ارتأت أن تمنح الحوثيين قبلة حياة، عبر اتفاق رعته الأمم المتحدة، جعل من المدينة “منطقة خضراء” ممنوع الاقتراب منها عسكريًا، لكنها متاحة للحوثي تنظيمًا وتهريبًا وتمركزًا.
الميناء… منصة تهريب وساحة تهديد
منذ ذلك الحين، استخدمت المليشيا ميناء الحديدة كمنصة لتهريب الأسلحة القادمة من إيران، وأصبح معبرًا لتهديد خطوط الملاحة في البحر الأحمر، ناهيك عن تحويل الأحياء السكنية المحيطة به إلى ثكنات عسكرية مكتظة بالسلاح والمقاتلين، بينما يُجبر السكان المدنيون على لعب دور الدروع البشرية. هذا السلوك يمثل انتهاكًا صارخًا لكل المواثيق الدولية، لكن المجتمع الدولي يصرّ على إدارة ظهره للجرائم الواضحة.
الشرعية المقيّدة والعدو المتحرر
اتفاق استوكهولم لم يجمّد فقط العمليات العسكرية ضد الحوثي، بل قيد يد الشرعية والتحالف، وفرض واقعًا سياسيًا منح المليشيا اعترافًا غير مباشر بوجودها كسلطة أمر واقع. في المقابل، لم تلتزم الجماعة ببند واحد من بنود الاتفاق، لا فيما يخص انسحابها من الميناء، ولا بشأن إيرادات الجمارك، ولا حتى فتح الطرقات، ومع ذلك استمرت الأمم المتحدة في اعتبار الاتفاق “قيد التنفيذ”، بينما يُسحق الشعب اليمني تحت وطأة سلطة قمعية لا تؤمن بشيء سوى القتال والهيمنة.
الضربات الأمريكية.. صحوة متأخرة !
في الأيام الأخيرة، أقر الحوثيون بمصرع أكثر من 26 من قياداتهم في ضربات جوية أمريكية دقيقة. هذه الضربات، رغم أهميتها، تأتي متأخرة في مسار المواجهة. فلو أن الإرادة الدولية كانت جادة في لجم المليشيا، لبدأت من وقف سياسة المكافآت المجانية التي جسدها اتفاق استوكهولم، ولكان المجتمع الدولي دعم تحرير الحديدة بدلًا من تجميدها.
الحل: تفكيك الاتفاق
اليوم، لم يعد أمام اليمنيين خيار سوى إعادة تقييم اتفاق استوكهولم، ورفض أي تسوية تُبقي على المليشيا كقوة مسلحة مهيمنة. لا سلام دون نزع السلاح، ولا هدنة مع عصابة تستغل كل هدنة لإعادة ترتيب صفوفها. المطلوب هو دعم حقيقي للقوى الوطنية لاستعادة الميناء، ووقف العبث السياسي الذي جعل من الحديدة رهينة بيد فئة لا تؤمن إلا بالبندقية.
اتفاق استوكهولم لم يكن إلا خطأ استراتيجيًا كارثيًا، آن أوان تصحيحه، وفتح معركة الخلاص الوطني دون مواربة.