في منتصف أكتوبر 1995م خرجت تعز عن بكرة أبيها في أكبر حشد دونته ذاكرة المدينة , لتودع أحد أقوى وأشجع رجالها الذين قاوموا بشجاعة وحكمة كل عملية أو فكرة أو سلوك يريد الإنتقاص من نضالات هذه المدينة وأحلامها وطموحاتها .
ودعت تعز يومها الكاتب الصحفي عبدالحبيب سالم مقبل , وكان السؤال وقتها ( هل سيكون بمقدور هذه المدينة أن تنجب قائداً أخر يحمل راية الدفاع عن مدنية هذه المدينة وتاريخها ونضالاتها ؟ )
عندما إجتاحت قوات الحوثي مدن اليمن من صعدة إلى عمران ثم صنعاء , كان الجميع مشدوها من حالة الإنكسار والذل التي ظهرت به قوات الجيش اليمني والذي كان من صميم واجباته الدفاع عن العاصمة والمدن من أي مليشيات مسلحة .
كنا في تعز نجري نقاشات متواصلة حول ماذا يمكن أن يحدث لو قرر الحوثي دخول تعز بتلك الطريقة التي دخل بها صنعاء ؟
في قرارة كل شخص منا قناعة تامة أن مقاومة الحوثي لن يكون بمبرر الدفاع عن الشرعية (الهزيلة وقتها) بل مقاومته دفاعاً عن حلم وطموح شباب هذه المدينة في عدم السماح لجماعات مسلحة متطرفة تُرهب الناس وتنكل بخصومها وفقاً لنزوات وثارات قياداتها .
في الوقت الذي كانت معظم قيادات تعز تغادر البلاد تباعاً , وبينما كانت أخر القيادات تهم بالمغادرة بجوازات مزورة . كان ثمة ضابط يمني أصيل , قدم من ريف الحجرية وفي ذاكرته كل صور المناضلين الذين أنجبتهم هذه المدينة وعرفتهم اليمن , جاء وفي ذهنه قصص الشجاعة التي سطرتها كتب التاريخ لقيادات وطنية يمنية خالصة .
جاء عدنان الحمادي " ضابطاً في عيونه طموح وقوة " ابن فلاح بسيط من عامة الشعب , يقرأ جيداً تفاصيل الماضي , ويهندس بدقة طموحات المستقبل .
في أول لقاء لي معه في فبراير 2018 عندما كنت أقوم بمهمة سكرتير محافظ تعز " د_ أمين أحمد محمود " في لقائنا الأول في عدن , صافحت ضابطاً بهيبة لم أعرفها من قبل إلا مع قلة من الضباط الذين عرفتهم .
توالت لقائتنا بعدها بحكم عملي بجانب المحافظ , وحضرت معه إجتماعات اللجنة الأمنية لمحافظة تعز , وأتذكر أول إجتماع يحضره عدنان الحمادي كيف تغيرت لغة النقاشات عندما سمح المحافظ له بالحديث , ليتحدث بمهنية الضابط المحترف , والوطني الحريص . وهو ما كان يثير حقد القيادات الأخرى عليه والغيرة منه ومحاربته .
سنة كاملة عملت فيها مع المحافظ , لم يحصل مرة واحدة أن قدم عدنان الحمادي مذكرة أو ورقة طلباً للمساعدة الشخصية , أو حصل على منفعة شخصية أو مصلحة , في الوقت الذي كنا نستقبل يومياً أوراقاً من ضباط وقيادات كثيرة فيها طلبات شخصية أو منفعة أو مصلحة .
تولى عدنان قياداة اللواء 35 مدرع واللواء مسمى على ورق فقط , ليحقق نجاحات مكنته من اعادة بناء اللواء ٣٥ ، دفعت بأخرين إلى محاربته عندما وجدوا أن عدنان يعري فشلهم ويكشف سوءاتهم .
دافع عدنان عن وجدان تعز وطموحات أبنائها شبابا وكبارا , وكان يمنياً خالصاً , حافظ على علاقة مميزة مع قيادات جنوبية , وعكس صورة محترمة للضابط المحترم .
حمل عدنان الراية كما حملها من قبله عبدالحبيب سالم مقبل ومحمد أحمد نعمان وعبدالرقيب عبدالوهاب , ليخلد إسمه في واجهة كتاب اليمن الكبير " الجديد " .
حافظ عدنان على علاقة ندية مع قيادات التحالف أجبرتهم على إحترامه وتعاملوا معه كضابط مهني ملتزم بقانون العسكرية .
لم يكن عدنان طائفياً , أو مناطقياً , كان يمنياً خالصاً , وجمع اللواء 35 مدرع كل أبناء اليمن , وأتذكر في أول زيارة لي إلى مقر اللواء وجدت قيادات الكتائب من إب وعمران وصنعاء وتعز وأبين .
غادر عدنان وترك الراية شامخة ترفرف بكل أحلامنا وطموحاتنا في بناء دولة تضمن للجميع حرية العيش والإستقرار والعمل بشكل متساوي دون تمييز مناطقي أو جهوي أو مناطقي .
وقريباً سيأتي من يحمل الراية ....