لاستطالة الحرب، أي حرب كانت، أثر مدمر ليس على الحاضر، حاضر المكان والإنسان، فقط؛ إنما على المستقبل أيضًا، وكم يبدو هذا الأخير مخيفا ومقلقا على نحو استثنائي في اليمن، فمع التعبئة الحوثية المكرسة للجيل الصاعد عبر ما تسمى المراكز الصيفية، سيكون التحدي الحقيقي المُرتقب خلف هذا النفق المُعتم هو أنفاق أخرى أضيق، معارك مؤجلة طاحنة، بعكس حال أي بلد آخر يطوي حربا ولا يتعين عليه سوى مواجهة تحدي جبر ضرر المعركة الفائتة، الميّتة.
أن يكون على الأطفال دفع أرواحهم، أطرافهم، أحلامهم وطفولتهم على حرب تفتحت عيونهم عليها هو أمر مروّع بلا أدنى شك، مع ذلك سيكون من المروع أكثر نجاتهم منها حاملين بعض بقاياها كالعدوانية، العنف، وانعكاساتها النفسية الأخرى، وأما الأكثر ترويعا على الإطلاق، أن يغادروها محقونين بحبها، أو بعدم كرهها على الأقل، وليس ثمة من وظيفة لمراكز الحوثي الصيفية غير ذلك: تطعيم النشء ضد السِلم.
ينظر الحوثيون إلى صغار السن، مثلما تثبت المعارك والوقائع والتوابيت، على أنهم أدوات حربية طيّعة دون أي اهتمام بهشاشتها وعجزها عن إحراز إضافة على أرض المعركة.
لكن الأخطر من الدفع بالأطفال إلى الجبهات هو في استغلال ليونة عقولهم وتفتحها لتعبئتها بالأفكار المتطرفة الممجدة للموت المعادية للحياة، وسوءاً تتم هذه العملية في المدارس أو مراكز الصيف أو من خلال الضخ الإعلامي فهي تشبه اشتغالهم على صناعة الألغام والعبوات المتفجرة، والفارق هنا أنهم يفخخون بهؤلاء الأبرياء المستقبل، مستقبلهم هم.
إن ممارسات الحوثيين ضد الأطفال في مجملها جريمة مُدانة، والعمل على إيقافها، لا سيما الضغط لجهة إغلاق مراكز التفخيخ تلك، هو في الواقع من صلب عملية إحلال السلام في البلاد، هذا ما لم يكن الشرط الفعلي لنجاحها؛ فإمعان الحوثيين في تطييف وتعبئة آلاف الأطفال ليس سوى تصدير سنوي للحرب إلى المستقبل، ولا فرصة في ظل ذلك إلا لسلام ملغوم.