منذ حصار اللهبيين للنبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ في شعب أبي طالب، في السنة السابعة للبعثة النبوية، والذي استمر ثلاث سنوات بعد ذلك، وإلى اليوم وهذا السلاح أحد أبرز أسلحة الجماعة المُتبع والمُتَوارث خلفا عن سلف..!
منذ دخلت الإمامة إلى اليمن على يد إبراهيم بن موسى الجزار، داعية ابن طباطبا مطلع القرن الثالث الهجري، استخدم أسلوب الحصار، إذ حاصر أهل صعدة وهدم سد الخانق هناك الذي كان يسقي زروعهم ومواشيهم.
وحين جاء يحيى حسين الرسي ومعه كتائبُ الطبريين استخدم نفسَ الأسلوب في الحصار قبل القضاء على خصومه.
وتجلى هذا التكتيك الحربي في سياسة السفاح عبدالله بن حمزة الذي حاصر المطرفية أولا حتى شارفوا على الهلاك، وهم شيوخ وطلبة علم، رجالا ونساء في الهجر العلمية، منقطعين للعلم، في وقش وما حولها، ومن ثم قضى عليهم.
وأبشعُ من ذلك أنه قَام بملاحقة أحَد مَشائخ المطرفيَّة العُميان، ومحاصرته في قرية "حصن بكر" بحَجة، حتى ظفر به، وحزّ رأسه بالسيف ودفنه في مكانه، رغم محاولة أهل المنطقة الشفاعة له. انظر: العقد الثمين في تبيين أحكام الأئمة الهادين، تأليف الإمام عبد الله بن حمزة، 457/1.
وحاصر القاسم بن محمد ــ مؤسس الدولة القاسمية ــ بيوت آل عرجاش في حجور غربي حجة، قبل أن يأمر عامله بهدمها والتنكيل بأهلها كما في مخطوطة "النبذة المشيرة إلى جمل من عيون السيرة". وأيضا في كتاب ابن الأمير وعصره، قاسم غالب وآخرين، ص: 32.
وفي تعز، في عهد الإمام المنصور علي بن المهدي عباس، وضمن حوادث سنة 1205هـ، نقتبس هذا النص من سيرته: "أغار أربعةُ آلاف غازٍ من حاشد وبكيل على تعز، فعاثوا فيها فسَادًا، أذلوا أهلها واسْتحلوا أموالهم بالقوة، وكانت جُملة البقر والغنم والجمال التي تم نهبها من إحدى مَناطق تعز لوحدها أكثر من عشرين ألف رأس؛ أما أحد مشايخ صبر، فقد حاصروه أسْبوعا كاملا، وفرضوا عليه ستمئة قرش "فرانصي" عن كل ليلة حتى ضاقَ به الحال، وغَلَّه النهَّابةُ هو وأولاده في الحديد وخربوا حصونه الستة، وهكذا فعلوا في شتى المَنَاطِق والعُزل..". انظر: درر نحو الحور العين في سيرة الإمام المنصور علي وأعلام دولته الميامين، تحقيق، لطف الله جحاف، تحقيق: إبراهيم المقحفي، ص: 487.
ولم تكن تعز وحدها هي التي حوصرت في عهده؛ بل منطقة حيس من تهامة، حيث حوصرت ثلاثة أشهر، ثم تم نهبها كاملة من قبل جند الإمام من قبيلة يام. نفس المصدر، 732.
وحاصر الإمام المتوكل على الله إسماعيل مدينة صنعاء مطلع حكمه منتصف القرن الحادي عشر، ومنع عن أهلها التجارة والبيع والشراء، ولم يسمح بفك الحصار عنها إلا بعد أخذ يمين البيعة له بالإكراه من القاضي سعدالدين المسوري والقاضي إبراهيم السحولي، والأخيرُ خطيبُ الجامع الكبير يومها.
وحاصر الإمام محمد بن يحيى، والد الإمام يحيى مدينة ذمار بداية حكمه، وهو عائد من بلاد ريمة، مانعا أهلها من الدخول أو الخروج في سنة 1264هـ، حتى اضطرهم إلى مبايعته ومن ثم المرور إلى صنعاء.
وفي حروبه مع قبيلة الزانيق التهامية حاصر السيف أحمد يحيى حميدالدين أهلها من ثلاث جهات حسبما ذكر البردوني في اليمن الجمهوري، ثم أطبق عليهم القتال، ولم يكتف بذلك فحسب؛ بل سَاق منهم بالأغلالِ مأسورين ثمانمئة أسير، وأراد قتلهم بالسَّيف، فاعترضَه والدُه على قتلهم جهارًا نهارا بالسَّيف، ولكن بطريقةٍ أخرى، فقتلهم بالسُّم جميعا خلال سَنة واحدة، ولم يبق منهم سَالما إلا الشَّيْخ سالم درويش الذي التقى لاحقًا في السِّجن بثوار 1948م، وحكى لهم داخلَ السِّجن ما جرى لرجالِ الزرانيق. كما ورد في كتاب ابن الأمير وعصره، ص: 72.
الحوثي.. الجرو الذي فاق في النبح أباه
يذكرنا الحوثي ببيت شعر للمتنبي، ضربه مثلا في حالة ذهاب سيئ ومجيء أسوأ:
مات في البرية كلب فاسترحنا من عواه
أنجب الملعون جروا فاق في النبح أباه
في الواقع لم يكن الحوثي إلا حلقة واحدة من حلقات السلسلة الإمامية الكهنوتية الطويلة، فكرا وسلوكا وثقافة، وما يفعله اليوم في اليمنيين فعله أجداده بالأمس.
حاصر الحوثيون في البداية يهود آل سالم في صعدة من العام 2006م فما بعدها، حتى شردهم من بلادهم.
وحاصروا أهل دماج وهم طلاب علم، من منتصف تشرين الأول: أكتوبر، حتى نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2011م، وتسبب القتال في تعطيل الخدمات الاجتماعية الأساسية، مما ألحق ضررًا شديدًا بالسكان البالغ عددهم 12,000 ألف نسمة، حسب تقرير صادر عن مجلس الأمن الدولي.
وتكرر الحصار مرات عدة كان آخرها في أواخر أكتوبر 2013م، وبصورة أشد من سابقتها؛ حيث تجدد الحصار مع القصف بالأسلحة الثقيلة على دار الحديث بدماج من قبل مسلحي الحوثيين، فمنعوا من أراد الخروج من أجل العلاج؛ بل منعوا أهلَ دماج من الخروج لتأدية مناسك الحج في ذلك الموسم، وبرر الحوثيون حصارهم بأن الشيخ يحيى بن علي الحجوري قيم دار الحديث بدماج يجهز لحربهم، بالاستعانة بقائد الحرس الخاص طارق محمد عبدالله صالح والحكومة..!
واليوم ــ ومنذ بداية الحرب ــ يحاصرون أبناء تعز، الأمر الذي تسبب أولا في إعاقة الحياة الطبيعية للمدينة وما حولها من المدن، وكذلك في الإضرار بما يزيد عن خمسة ملايين نسمة.