بعد إكتساح الكتابة الألكترونية .. إيطاليا تنظم مؤتمراً لإعادة الاعتبار للكتابة بالقلم
الأحد 22 يوليو 2018 الساعة 11:57
المنارة نت - متابعات

تشهد الكتابة بالقلم خلال العقود الأخيرة من عمر البشرية تراجعاً يكاد يكون شبه كامل لصالح الكتابة باستخدام الكومبيوتر والأجهزة اللوحية والهواتف الذكية، ووسائل التواصل الاجتماعي مثل «واتساب» و«إنستغرام» و«فايبر» و«سكايب» و«يوتيوب»… إلخ. لكن للقلم معاني وفوائد كثيرة قد يجهلها الكثيرون، خصوصاً من الأجيال الجديدة، فهو أعظم الأدوات تأثيراً على مدار تاريخ البشرية، كأداة لحفظ الفكر الإنساني، وهو يحفز شبكية العين التي تولي الأولوية للمعطيات الأكثر ظهوراً، وإذا حفزت فإنها تساهم هي الأخرى في تحفيز القشرة الدماغية فتثير الانتباه.

 

هذا على الأقل ما يؤكد عليه مؤتمر «إعادة الرقم.. الكتابة باليد بين التاريخ والفن وعلوم الأعصاب»، الذي برمجت له جامعة مدينة بافيا الشمالية الإيطالية، كمرحلة جديدة لمشروع هو الآن قيد الإنجاز في كثير من المدن الإيطالية لإبراز القيمة المعرفية للكتابة بالقلم، وتشجيعاً لها.

 

من أين جاءت وبدأت الفكرة؟

 

تقول غابريالا بُتّيني، الأستاذة المحاضرة في علم النفس العصبي بجامعة بافيا، لـ«الشرق الأوسط»: «إن إعادة استعمال القلم هي فكرة الطبيب النفساني والفنان البصري أنطونيلو فريزو، وتتمثل في عرض أكبر الأعمال الأدبية على الجمهور حتى يتمكن الجميع من كتابة جزء منها بالقلم».

 

وتضيف: «الآن، في مقاطعة جزيرة سردينيا الإيطالية، وتحديداً في متحف كبير لمصانع الشباك لصيد سمك التن (لاتُنّارى) بمدينة استنتينو، هم بصدد استكمال كتابة نسخة من كتاب (معرفة – سمك – التن)، للكاتب الإيطالي بَكّالّي بواسطة القلم. وأما بدار علم النفس بمدينة ميلانو، فإنهم بصدد كتابة نسخة من (واحد.. لا أحد ومائة ألف)، للكاتب المسرحي لويجي بيرندالّو. وقد شرعوا بجامعة بافيا وجامعة بولونيا، وبالذات كلية الدامس للفنون، في إصدار عدة كتب تتناول (تمارين في أساليب الكتابة لدى الإنسان)، لمواجهة هيمنة الأجهزة الإلكترونية في الكتابة».

 

الدفاع عن الكتابة بالقلم، في زمن ينحو دائماً باتجاه الرقميات، ليس ركوناً عقيماً إلى حنين ما، بل هو خدمة حقيقية يقوم بها عدد من اللغويين الإيطاليين لتقديمها إلى الأجيال الجديدة التي تبتعد يوماً بعد آخر عن استعماله.

 

وتذكر لنا بوتيني أن الأمر يحتاج وضوحاً أكبر، فإن «الكتابة بالقلم يمكن أن تكون أكثر إثماراً، بالإضافة إلى كل من عمليات الانتباه والمعرفة والفهم» لأنها «تترك أثراً يساعدنا على أن نصير أفضل مما كنا عليه، بينما الكتابة على لوحة المفاتيح للحاسوب، مع المصحح الذاتي للأخطاء، يجعلان أخطاءنا تتلاشى في العدم، كما لو أنها لم تكن أبداً، مما يعرضنا لخطر إعادتها وتكرارها؛ ذلك أن الورقة والقلم يساعداننا على التذكر».

 

وتضيف الأستاذة الإيطالية: «إن التعلم أمر متعب، ودماغنا غالباً ما يبحث عن أقصر الطرق، إن كان ذلك ممكناً، لكن الكتابة بالقلم تصدنا عن اختصار الطريق الذي يميز الرقن من دون حضور للفكر. وهذا ينطبق أيضاً على الكتابة بالحاسوب لدروس مسجلة في الفصل: التسجيل ييسر مهمة الطالب، لكن في عملية الكتابة للدرس المسجل ثمة انفعالية لا تحفز الدماغ إلا تحفيزاً ضعيفاً، بينما تتسم عملية كتابة رؤوس أقلام بالقلم بفاعلية أكثر، وتجذبنا لخوض غمار التفكير؛ إنها شبيهة بما يسمى بالهمس، الذي يمارسه بعض المترجمين، الذين يقومون بالترجمة الفورية، في إذن من لا يفهم لغة المتحدث إليه. إنها فاعلية تلجئنا إلى تقييم ما نريد نقله، وإن كان إجمالياً. ثم هناك مظهر آخر مهم لأغراض الذاكرة والتذكر، ففي أثناء الكتابة بالقلم، نجد أن بصرنا موجه إلى اليد التي تقود القلم على الورقة، وذبابة (رأس) القلم هي النقطة التي يلتقي فيها الفعل الحركي والفعل البصري. وعلى العكس، فإذا كتبنا بواسطة الحاسوب فإن أيدينا تقفز من نقطة إلى أخرى على لوحة المفاتيح، أما بصرنا فموجه إلى مكان آخر، أي إلى الشاشة».

 

إن هذا التباين الذي أشارت له أستاذة علم النفس العصبي، بين مسار العين الباصرة ومجرى اليد الكاتبة، يمكن أن يكون كالعقوبة أو الإعاقة بالنسبة للذاكرة، ذلك أنه يحد مما اصطلح عليه علماء طب الأعصاب بالتكامل بين الحواس المتعددة. فإذا تمكنا من أن نجمع في تجربة واحدة أكثر من محفز من أصناف مختلفة: بصري، وسمعي، وحركي، ولمسي، وشمي، فإنه سيكون بإمكاننا أن نقتصد في وقت التذكر أو استدعاء الذكريات، كما يجعل من استحضار الذكريات أكثر جودة؛ ذلك أنه بهذا الصنيع يكون التذكر له أكثر من شباك لصيد الذكرى بنجاح وتفوق يصاحبه عملية تنشيط وتحفيز ذاكرة الإنسان وذكائه.

 

ويشرح ذلك دانيال أوبنهايمر، الأستاذ المحاضر في جامعة كالفورنيا لعلم النفس صاحب الدراسات المتعددة في الموضوع، بالقول: «عندما نكتب رؤوس أقلام إبان درس من الدروس، فإن بطء هذه العملية يضطرنا إلى أن ننتقي انتقاءً كبيراً ما نكتب، وهذا حاسم في جعل الدرس درساً نمتلكه نحن، ذلك أنه يستوجب منا أن نفكر فيما نستمع بقدر يمكننا كتابته بكلمات هي لنا. أما الحاسوب فإنه فعلاً يجعلنا أكثر سرعة، لكنه يجعلنا أيضاً من دون أدمغة؛ ذلك لأنه يجعل من مقاومة غواية كتابة كل ما يقوله الأستاذ المحاضر بطريقة ببغائية أمراً عسيراً. وأنا نفسي إن كتبت رؤوس أقلام لموضوع معين بواسطة لوحة المفاتيح، لا أستطيع إلا أن أكتب حرفياً تقريباً كل ما أسمعه».

 

المصدر: الشرق الاوسط – موسى الخميسي

متعلقات