أفادت صحيفة The National بأن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار، طالب الوسطاء، بانسحاب إسرائيلي تام من قطاع غزة وإطلاق سراح شخصيات فلسطينية بارزة.
وقالت الصحيفة نقلا عن مصادرها إن السنوار أجرى اتصالات مع وسطاء مصريين لنقل رسالته الحازمة التي طالب فيها بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة والإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين البارزين كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار لإنهاء الحرب.
كما أبلغ المصريين أنه يعارض "بشدة" إدارة السلطة الفلسطينية لغزة بعد الحرب. مؤكدا أيضا رفضه لنشر قوة متعددة الجنسيات في غزة بعد الحرب للحفاظ على الأمن حتى إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية.
وقالت إحدى المصادر: "بالنسبة ليحيى السنوار، فإن إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين على رأس أولوياته". مضيفة "أنه (السنوار) يريد أن يرى مروان البرغوثي وأحمد سعدات مُفرج عنهما، ولن يتنازل عن ذلك".
وقد تم نقل رسالة الرئيس الجديد للمكتب السياسي لحركة حماس، إلى الوسطاء المصريين من خلال خليل الحية، مساعد السنوار المقرب والقيادي في "حماس" والذي تحدث أيضا نيابة عنه خلال أشهر من المفاوضات بين "حماس" وإسرائيل من خلال وسطاء من الولايات المتحدة ومصر وقطر.
وكانت حركة حماس قد اختارت، الثلاثاء الماضي، زعيمها في قطاع غزة يحيى السنوار رئيسا لمكتبها السياسي، خلفا لإسماعيل هنية الذي تم اغتياله في 31 يوليو/تموز الماضي في العاصمة الإيرانية طهران.
ويتهم الاحتلال الإسرائيلي، السنوار بأنه مدبر هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، الذي شنته حماس على جنوب إسرائيل، وطالما تعهد الاحتلال بملاحقته وتصفيته.
تهديدات إسرائيلية:
وفي ردود الأفعال الإسرائيلية على اختيار السنوار رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس، دعا وزير الخارجية، يسرائيل كاتس، إلى "تصفية سريعة" للسنوار، وكتب كاتس على منصة إكس أن تعيين "السنوار على رأس حماس خلفاً لإسماعيل هنية، هو سبب إضافي لتصفيته سريعاً ومحو هذه المنظمة من الخارطة".
في حين قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هاليفي إن "تغيير مسمى السنوار لا يمنعنا من الاستمرار في البحث عنه ومهاجمته".
ثلاث رسائل من حماس لإسرائيل:
يقول القيادي في حركة حماس، أسامة حمدان، لبي بي سي، إن هناك ثلاث رسائل وراء اختيار السنوار، أولها أن حماس "أثبتت أنها لا تزال قادرة على أن تتخذ قرارات مناسبة في ظل هذه الظروف، إذ نجحت في اختيار الشخص المناسب بالإجماع الكامل، وهذا يعني أن الحركة تقف موحدة".
والرسالة الثانية هي أن "الحركة ستمضي قدماً للأمام، وأن هناك قيادات قادرة على أن تكمل المسيرة"، وثالثاً "جميع الضغوط لا يمكن أن تُثني حماس عن مبادئها وثوابتها الراسخة"، وفق حمدان.
من جانبه يرى الكاتب والباحث السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، بشير عبد الفتاح، أن اختيار السنوار هو "رسالة تصعيدية"، مشيراً في حديثه لبي بي سي إلى أن "اختيار قيادي عسكري ميداني معروف بقربه من إيران وتشدده حيال إسرائيل سواء على المستوى السياسي أو العسكري، يعني أن حماس مصرة على النضال العسكري ولن تتراجع تحت وطأة الضغوط والضربات التي تلقتها".
"القيادة من داخل غزة":
ليست هذه المرة الأولى التي يجري فيها انتخاب رئيس لحماس يقيم داخل القطاع، فإسماعيل هنية انتخب رئيساً للحركة وقضى قرابة عامين من ولايته داخل القطاع قبل أن يغادره متوجهاً إلى قطر.
ويعلق أسامة حمدان بأن إدارة حركة حماس "لم تتعثر في أي وقت من الأوقات، سواء كان رئيسها يقيم داخل أو خارج قطاع غزة".
لكن السنوار يختلف عن إسماعيل هنية، إذ هددت إسرائيل بـ"اصطياده"، محمّلة إياه المسؤولية عن هجوم السابع من أكتوبر، ورصد الجيش الإسرائيلي مبلغ 400 ألف دولار مكافأة لمن يدلي بمعلومات تساعد في القبض عليه.
يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، حسن أيوب، لبي بي سي إن "اختيار السنوار جاء لاعتبارات براغماتية، فمثلما استهدفت إسرائيل هنية يمكن أن تستهدف أي قائد مقيم خارج القطاع، وبكل الأحوال السنوار موجود في غزة وإسرائيل منذ زمن تسعى للقضاء عليه".
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم يظهر السنوار علناً.
"اختيار غير متوقع":
بعد اغتيال إسماعيل هنية كان هناك ترقب لمعرفة من سيصبح خليفته، وذهب بعض المحللين للقول إن السنوار سيلعب دوراً كبيراً في اختيار القائد الجديد للحركة، إذ لم يكن اسمه من بين الأسماء المطروحة التي تناقلتها وسائل الإعلام.
لكنّ اختيار يحيى السنوار أثار تساؤلات عما إذا تسرعت حماس بقرارها، كما توقع البعض أن تكون فترة بقائه في الرئاسة "مؤقتة"، على أن يُعين قائد سياسي خلفاً له عقب انتهاء الحرب في غزة.
يقول أسامة حمدان إن "الحركة بقياداتها ومجلس شورتها، منذ لحظة استشهاد هنية، دأبت على التشاور والحوار، وفي غضون أيام كافية استطاعت أن تصل إلى إجماع حول السنوار، وهذا يعني أن دراسة معمقة أفضت أن يبايعه الجميع".
أما الكاتب والباحث السياسي بشير عبد الفتاح فيقول إن حماس "أرادت أن تعطي إشارة بأنها قادرة على ملء الفراغ القيادي في أسرع وقت ممكن، وربما طبيعة المرحلة الحالية فرضت أن يكون السنوار، الذي يُدير المعركة من داخل غزة، على رأس الحركة، وهنا يمكن القول إن السنوار جاء نتيجة عملية اختيار وليس انتخاب".
"تصفير الخلافات":
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية، حسن أيوب، "إن تعيين السنوار له انعكاساته في الضفة الغربية المحتلة، فهو قادر على التواصل مع كل الفصائل الفلسطينية، وسعى لإصلاح العلاقات بين السلطة الفلسطينية بقيادة حركة فتح وحماس".
ويرى خبراء أن السنوار انتهج خلال فترة رئاسته لمكتب حماس في قطاع غزة سياسة "تصفير الخلافات"على المستويين الداخلي والإقليمي، حيث تمكن من التصالح والتقارب مع مصر، وأنهى سنوات من القطيعة بين الحركة وسوريا وحاول دفع حماس للتقارب مع السعودية.
ويعتبر منصب رئيس المكتب السياسي العام أعلى مرتبة تنظيمية في حركة حماس. وتجري الحركة انتخاباتها العامة كل أربع سنوات، تنتخب خلالها مجلس الشورى، الذي يضم أعضاء المكتب السياسي، والذين يَنتخبون بدورهم رئيس المكتب ونائبه.
"مواجهة ندية":
تصف إسرائيل السنوار بـ "الأكثر صعوبة وراديكالية"، ويقول عنه الضابط السابق بجهاز الأمن الداخلي ميخا كوبي، الذي استجوب السنوار لأكثر من 150 ساعة عندما كان أسيراً، إنه "صارم" وخال من المشاعر ولكنه "ليس سيكوباتياً"، وفقاً للواشنطن بوست.
ومع اغتيال إسماعيل هنية "المعتدل"، أصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في "مواجهة ندية" مع السنوار الذي يفهم العقلية الإسرائيلية، وبالتالي على "الشارع الإسرائيلي أن يتحمل هذه المعادلة"، بحسب قول الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين.
ويضيف إيهاب جبارين في حديثه لبي بي سي أن "الإعلام الإسرائيلي المعارض طالما روّج بأن السنوار ونتنياهو هما سبب هذه الحرب، والآن تحققت هذه النبوءة".
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن تعيين السنوار "مفاجئ ورسالة لإسرائيل بأنه حي وأن قيادة حماس بغزة قوية وقائمة وستبقى".
وينقل جبارين بعض الأحاديث الدائرة في الأوساط الإسرائيلية التي "تُحمل نتنياهو أولاً مسؤولية الإفراج عن السنوار عام 2011، مروراً بهجوم السابع من أكتوبر ومن ثم اغتيال هنية الذي أفضى إلى قيادة السنوار للحركة".
وبالنسبة لأهالي الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة فإن تعيين السنوار هو "الضربة القاضية"، كما يقول الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين.
وأسر مقاتلو حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي،251 إسرائيليا، ما زال 111 منهم في غزة، بينهم 39 يقول الجيش الإسرائيلي إنهم لقوا حتفهم.
وشنت قوات الاحتلال الإسرائيلي حربا عنيفة على قطاع غزة، ما زالت مستمرة حتى اليوم، وأدت إلى استشهاد أكثر من 39 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، بحسب وزارة الصحة في غزة، وتدمير البنية التحتية.