مي زيادة، أديبة وكاتبة لبنانية، أطلق عليها العديد من الألقاب، منها "فراشة الأدب"، وأحبها معظم الأدباء والصحفيين والكتاب، في عصرها في العديد من الدول العربية، وكانت نهايتها في مستشفى للأمراض العقلية ببيروت.
ولدت مي زيادة واسمها الحقيقي ماري إلياس في 11 فبراير سنة 1886 ببلدة الناصرة بفلسطين، وهي ابنة وحيدة لأب لبناني وأم فلسطينية من اصل سوري، أرثوذكسية.
تلقت دراستها الابتدائية في الناصرة بفلسطين، والثانوية في عينطورة بلبنان، وفي عام 1907، انتقلت مع أسرتها للإقامة في القاهرة، ودرست في كلية الآداب وأتقنت تسع لغات، منها الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والألمانية.
وفي القاهرة عملت بتدريس اللغتين الفرنسية والإنجليزية، وتابعت دراستها للألمانية والإسبانية والإيطالية، كما عكفت على إتقان اللغة العربية وتجويد التعبير بها، وتابعت دراساتها في الأدب العربي والتاريخ الإسلامي والفلسفة في جامعة القاهرة.
صالون مي زيادة
في الوقت الذي كانت فيه المرأة لا تزال تخطو أولى خطواتها في التعليم والحرية الفكرية، كانت مي، رائدة التنوير في عصرها متفوقة بذلك على المفكرين الرجال، وكان لها صالون ثقافي بدأ انعقاده سنة 1913 وكان يعقد يوم الثلاثاء من كل أسبوع ويحضره عمالقة الأدب ورواد السياسة ومشاهير العلماء وأعيان البلد كالراحلين مصطفى عبد الرازق، وأحمد لطفي السيد، وطه حسين، ومصطفى صادق الرافعي، وخليل مطران وإسماعيل صبري وعباس محمود العقاد وغيرهم .
وهكذا اجتمع أعلام الدين وأقطاب السياسة ورواد النثر وفرسان الشعر في صالون الآنسة مي، وهذا تقدير للمرأة العربية التي استطاعت جمع الرجال من حولها يتناقشون فيما بينهم نقاشا حرا في السياسة والأدب والدين والثقافة العالمية، وكان جمال مي الروحي والجسدي وكلامها الحلو ونبرتها الهادئة، وثقافتها الكبيرة، كان كل ذلك يضفي على المجلس بهاء ورقيا وإحساسا راقيا بالجمال في أرقى تجلياته، ولم يكن أحد يغيب عن المجلس إلا لظرف قاهر.
قال الشاعر الراحل إسماعيل صبري عن صالون الأديبة مي زيادة:
روحي على بعض دور الحي حائمة
كظامئ الطير تواقا إلى المـــــــاء
إن لم أمتــــــع ب مي نــاظـــــري غدا
لا كــان صبحك يا يوم الثلاثاء !
قصة حب مي زيادة والعقاد
تعلق عديد الأدباء بمي ومنهم الراحلون مصطفى صادق الرافعي وأحمد لطفي السيد والعقاد، والتقت مي بالعقاد كثيرا في صالونها الأدبي وفي فترة وجوده في مسقط رأسه أسوان كانا يتبادلان الرسائل ومنها :
العقاد يصف حبه لمي: (الحب الذي جعلني انتظر الرسالة أو حديث التليفون كما ينتظر العاشق موعد اللقاء).
مي في رسالة للعقاد : (لا تحسب أنني اتهمك بالغيرة من جبران فإنه لم يرني و لعلّه لن يراني و لكن طبيعة الأنثى يلذ لها أن يتغاير فيها الرجال).
استفز حب مي وجمالها شاعرية العقاد فسطر فيها أعذب الأشعار رغم أنه لم يكن بالأساس شاعرا ومنها :
يا "مي" يا "مي" ذاك اسم
تغني حلاوته عن كل تلقيب
و أن لي رغبة يا "مي" ضارية
فلا تضني بها يا خير مرغوب
و أنت معبودتي يا "مي" ما ظفرت
عيني بتمثال حسن منك مرقوب
وهناك قصيدته الرائعة في رثائها :
أين في المحفل "مي" يا صحابْ ؟
عودتنا ها هنا فصل الخطاب
عرشها المنبر مرفوع الجناب
مستجيب حين يُدعى مستجاب
أين في المحفل "مي" يا صحاب ؟
سائلوا النخبة من رهط النديّ
أين "مي"َ ؟ هل علمتم أين الندى "مي"
الحديث الحلو واللحن الشجي
والجبين الحر والوجه السني
أين ولى كوكباه ؟ أين غاب ؟
الحب الملتهب
على كثرة من أحبوها وهاموا بها تظل قصة حبها لجبران خليل جبران هي الأروع و الأغرب، ربما لأنهما لم يلتقيا أبدا وظل قلبها مأخوذاً به طوال حياتها، ودامت المراسلات بينهما لعشرين عامًا منذ 1911 وحتى وفاة جبران في نيويورك عام 1931.
واتخذت مراسلات مي زيادة وجبران خليل جبران،صيغة غرامية عنيفة، وهو الوحيد الذي بادلته حباً بحب وإن كان حباً روحياً خالصاً وعفيفاً ..
كما لم تعرف قصص الحب أروع من قصة جبران ومي، لم يعرف الأدب العربي أروع من رسائلهما المتبادلة، تقول مي في إحدى رسائلها لجبران :
(ما معنى هذا الذي أكتبه؟ إني لا أعرف ماذا أعني به! ولكني أعرف أنك محبوبي، وأني أخاف الحب، أقول هذا مع علمي بأن القليل من الحب كثير، الجفاف والقحط واللا شيء بالحب خير من النزر اليسير، كيف أجسر على الإفضاء إليك بهذا، وكيف أفرّط فيه؟ لا أدري، الحمد لله إني أكتبه على ورق ولا أتلفّظ به، لأنك لو كنت حاضراً بالجسد لهربت خجلاً بعد هذا الكلام ولاختفيت زمناً طويلاً، فما أدعك تراني إلا بعد أن تنسى).
مرض مي زيادة ووفاتها
بعد وفاة والدها ووالدتها وحبها الوحيد الشاعر جبران خليل جبران انهارت مي زيادة، لدرجة إنها قضت بعض الوقت في مستشفى للأمراض النفسية، ولأنها لم تتزوج ولم يكن لها أقارب في مصر أرسلها أصحابها إلى أهلها في لبنان، فأساؤوا إليها وأدخلوها «مستشفى الأمراض العقلية» مدة تسعة أشهر وحجروا عليها، فاحتجّت الصحف اللبنانية وبعض الكتاب والصحفيين، فنقلت إلى مستشفى خاص في بيروت، ثم خرجت إلى بيت مستأجر حتى عادت لها عافيتها ثم عادت مرة أخرى إلى مصر ..
لم تتحمل مي العيش في مصر بعد فقد الأحباب، فسافرت إلى إنجلترا لتغيير المكان ومنها إلى روما، ولكن الحياة هناك لم تروق لها فعادت مرة أخرى إلى مصر، مستسلمة لأحزانها حيث توفيت في مستشفى المعادي بالقاهرة في 17 اكتوبر عام 1941 عن عمر 55 عاماً ولم يمش وراءها، رغم شهرتها ومعارفها وأصدقائها الذين هم بغير حصر ، سوى ثلاثة من الأوفياء الراحلين، أحمد لطفي السيد، خليل مطران وأنطوان الجميل.
قالت الراحلة هدى شعراوي في تأبينها «كانت "مي" المثل الأعلى للفتاة الشرقية الراقية المثقفة»، كما كُتبت في رثائها مقالات كثيرة ، بينها مقالة للراحل أمين الريحاني نشرت في «جريدة المكشوف» اللبنانية عنوانها «انطفأت مي».