مدينة براقش.. تاريخ تليد محاط بسور شاهق و57 برجًا وبوابتان
الخميس 2 مايو 2024 الساعة 18:14
المنارة نت/ ثقافة

مدينة براقش، في محافظة الجوف، عرفت في النقوش اليمنية القديمة المسندية باسم "يثل"، ويرجع تاريخها إلى 1000 سنة قبل الميلاد أي قبل 3024 عاما.

وأعاد السبئيون بناء سور مدينة براقش الذي يبلغ ارتفاعه 14 مترًا، ولا يزال الكثير منه مرئيًا حتى يومنا هذا، وله 57 برجًا وبوابتان، في القرن الخامس قبل الميلاد، وشهدت عصرها الذهبي في القرن الرابع قبل الميلاد عندما اتخذها المعينيون عاصمة لهم.

وسيطر السبئيون على المدينة نفسها في القرن السادس قبل الميلاد. وجاء ذكرها في نقش المكرب يثع أمر وتر، في إشارة إلى تمرد في المدينة. 

 وكانت مدينة براقش العاصمة الدينية لمملكة معين ح. عام 400 ق.م. وتقع إلى الجنوب من مديرية الخلف وعلى بعدخمسة كيلو مترات تقريبا وقد بنيت هذه المدينة مثل باقي المدن القديمة على ربوات صناعية محاطة بأسوار عظيمة ومنيعة، عليها أبراج للحماية والمراقبة من كافة الاتجاهات.

وقد ذكر استرابون اسم هذه المدينة من بين المدن التي احتلها القائد أليس گاليوس، أحد قادة الإمبراطور الروماني أغسطس خلال حملته العسكرية على أرض اليمن السعيد بين العامين 25-24 ق.م. خاصة أن مدينة براقش كانت تعيش في ذلك الزمن فترة انحطاط وضعف بعد أن أصبحت تحت سيطرة البدو الرحل.

أما فترة ازدهار مدينة براقش الأثرية، كما تذكر فترة التاريخ فتعود على الأرجح الى الفترة الواقعة بين بداية القرن السابع ونهاية القرن السادس قبل الميلاد.

وكانت مدينة براقش تعتبر قبل انقلاب مليشيات الحوثي الإرهابية والسيطرة عليها، أفضل حالاً من مدن وخرائب الجوف الأثرية الأخرى، حيث كانت بقاياها ما زالت واضحة المعالم ولم تتعرض للنبش العشوائي والتخريب بشكل كبير مثل المدن القديمة الأخرى.

وبراقش من المدن الهامة، نظراً لوقوعها على طريق القوافل التجارية المحملة بالعطور والطيب والتوابل، والتي تحملها إلى مدينة الشام مروراً بهذه المدينة.

كما أن سور مدينة براقش الشاهق وموقعها المنفرد في صحراء الجوف جعل من المدينة جوهرة الآثار ليس في اليمن فحسب بل في كافة أرجاء الشرق الأدنى القديم.

وكانت براقش إلى كونها العاصمة الدينية لمملكة معين، كانت محطة راحة للقوافل القادمة من الهند المحملة بالبخور والطيب حيث كانت تلك القوافل تنقل إلى سوريا ومصر العطور والطيب والتوابل.

وتعتبر مدينة براقش أو يثل الأثرية والتاريخية، آخر محطة في اليمن لهذه القوافل.

 ولأهمية هذه المدينة قامت البعثة الإيطالية ما بين العامين (1990- 1992م) بعمل بحفريات أثرية برئاسة البروفسور ألساندرو دي ميگره للكشف عن المعبد الرئيسي لهذه المدينة المعروف بمعبد الإله نكرح حامي هذه المدينة، كما قامت البعثة الإيطالية – أيضا – بترميم هذا المعبد الفريد خلال عامي (2003-2004م). 

ويعتبر معبد "نكرح" من المعابد ذات الطراز لمعماري المميز للمعابد المعينية، حيث تتضمن هياكله الجزء الأكبر منها على قاعدة كبيرة مغطى بسقف يستند على، وهذا النموذج من المعابد ظهر – أيضا – في حضرموت في مدينة ريبون ومكينون، وفي إثيوبيا، وهو من المعابد الجميلة والمكتملة، والذي سيكون له دورا كبير في الترويج السياحي في هذه المحافظة الواعدة إذا ما استغل بشكل سليم.

وقد رصدت العديد من تقرير منظمات المجتمع المدني، قيام مليشيات الحوثي بتحويل مدينة براقش، أثناء سيطرتها عليها، إلى مركز لإطلاق عملياتها العسكرية، ودمرت معظم معالمها التاريخية، وأجزاء من سورها، وهشمت بعض النقوش الموثقة للدولة المعينية.

وأورد تقرير ميداني لفريق لجنة التحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان ، في محافظتَيْ مأرب والجوف، خلال العامين 2014 و2015، أن ”الحوثيون حولوا براقش إلى ثكنة عسكرية، وأنشأوا فيها سجونًا للمواطنين، وحولوا أيضًا مبانيها الأثرية إلى خنادق ومتاريس، وسجون قضى فيها الكثير من المواطنين تحت التعذيب. 

كما وثق الفريق شهادات عدد من السكان المحليين لمدينة براقش الأثرية على قصف المدينة واحتلالها، والعبث في محتوياتها ومعالمها الأثرية، والإضرار بهويتها الأثرية والثقافية، التي تعتبر إرثًا إنسانيًّا للعالم أجمع.

 ختاماً لابد من الاعتراف أن محافظة الجوف بشكل عام رغم تميزها عن المحافظات اليمنية ، وأيضا عن مدن الجزيرة العربية بشكل عام، إلا إنها لم تنل حضها من الاهتمام، بدليل عدم إجراء أي تنقيبات أثرية بصورة علميه منظمة في مواقعها الأثرية المختلفة باستثناءالعديد من الحفريات العشوائية الليلية من قبل لصوص الآثار وباستثناء حفرية علمية منظمة واحدة نفذتها البعثة الإيطالية كما أسلفنا في مدينة براقش للكشف عن معبدها الرئيسي نكرح.

متعلقات