منذ بداية شهر رمضان المبارك، تفتقد مائدة خالد الحرازي (45 سنةً) للكثير من الأكلات المتنوعة التي كانت تزين مائدة الإفطار الرمضانية بمنزله هذا العام، نتيجة تدهور وضعه المادي على غرار ملايين اليمنيين الذين يعيشون أوضاعاً معيشية قاسية جراء استمرار الحرب المندلعة في البلاد منذ أكثر ثماني سنوات.
يعمل الحرازي موظفاً حكومياً في التربية والتعليم في العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، ويعيش أوضاعاً قاسية بسبب انقطاع راتبه الحكومي الذي كان يتعمد عليه في تأمين الغذاء لأفراد عائلته على غرار مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين المنقطعة رواتبهم منذ أكثر سبع سنوات.
يرتبط شهر رمضان المبارك في العاصمة صنعاء مع العديد من الأكلات، والأطباق التقليدية التي تعتبر من الطقوس الرمضانية المتوارثة. لكن تدهور الأوضاع المعيشية والظروف القاسية التي يمر بها المواطنون هذا العام نتيجة استمرار الحرب، وتداعيات التوترات العسكرية الحاصلة في البحر الأحمر حرمت الكثيرين من اليمنيين شرائها.
حرمان اطباق متوارثة
تتميز المائدة الصنعانية خلال شهر رمضان المبارك بالكثير من الأكلات الشهية مثل: الكبسة، والسلتة، بالإضافة إلى الحلويات المتنوعة أبرزها بنت الصحن وحلويات الرواني والكنافة والعوامة والقطائف، والشعوبية، والبسبوسة، والبقلاوة، والمحلبية وغيرها.
يقول الحرازي لـ "يمن شباب نت"،" كل تلك الأكلات والحلويات أصبحت اليوم من الماضي فهو حسب قوله بالكاد يتمكن من تأمين الاحتياجات الضرورية. في بداية رمضان حصلت على حافز قدره 80 ألف ريال، تمكنت من خلاله شراء الخدمات الأساسية الدقيق والسكر والزيت والتمر وبعض الخضروات ".
يضيف:" أنا مثل غيري من الموظفين الحكوميين المنقطعة رواتبهم انقلبت حياتنا رأسا على عقب، كل الأكلات والحلويات أصبحت في الوقت الحالي تمثل عبئا كبيراً علينا، أيام صرف الرواتب كانت مائدة الإفطار الرمضانية فيها كلما لذ وطاب".
وتابع:" كنا نأمل صرف الرواتب، عقب الهدنة الإنسانية، وكانت اخبار صرف الرواتب مصدر بهجة وكنا نحلم أن يكون رمضان هذا العام أفضل من الأعوام الماضية، لكن مع الأسف لم يتغير شيء، ثمان سنوات ونحن من دون رواتب فقدنا معها بجهة الشهر الفضيل، أيام ويحل علينا عيد الفطر المبارك وأنا لم أتمكن من شراء ملابس للأطفال حسبنا الله ونعم الوكيل على من كان السبب بإيقاف رواتبنا ".
تماماً مثل الحرازي يشكو بلال محمد (39 سنةً) وهو سائق حافلة صغيرة بصنعاء من الحرمان من معظم الأطباق والحلويات الرمضانية التي كانت تزين مائدة الإفطار في منزله، قائلاً لـ"يمن شباب نت"، "رمضان هذا العام أصعب من الأعوام الماضية، أقضي ساعات طويلة ثم اضطر للذهاب وعلى متن الحافلة ثلاث اشخاص فقط لا استطيع معظم الأيام توفير تكاليف الوقود الحركة شبه ميته".
تراجع القدرة الشرائية
أكد تجار في صنعاء بحسبـ"يمن شباب نت" عن تراجع قدرة المواطنين الشرائية بشكل غير مسبوق منذ بداية شهر رمضان المبارك، على الرغم من العروض والتخفيضات المتواصلة إلا أن المحال والمراكز التجارية تبدو خالية من المتسوقين على غير العادة مقارنة مع الأعوام الماضية".
في السياق يقول الصحافي الاقتصادي وفيق صالح بأن:" تراجع القدرة الشرائية للمواطنين يعود بالدرجة الأولى إلى توقف رواتب الموظفين للعام الثامن على التوالي، بالإضافة إلى تراجع أنشطة القطاع الخاص بسبب الجبايات والاتاوات المالية المتزايدة من قبل مليشيا الحوثي، والاستمرار في التضييق على النشاط التجاري بشتى الوسائل، علاوة على نهب الموارد العامة وإيقاف الميليشيا الإنفاق على الخدمات العامة للسكان".
وأضاف صالح في تصريح لـ "يمن شباب نت"، "أدى هذا الوضع المختل، إلى ضعف القدرة الشرائية للمواطنين وانتشار موجات الركود والكساد في الأسواق مشيراً إلى أن الدورة النقدية في مناطق سيطرة الحوثيين تشهد اختلالا كبيراً لأنها تمضي في اتجاه قسري إلى منافذ وأرصدة قيادات الميليشيا ولا يتم إعادة تدويرها إلى السوق على شكل رواتب وإنفاق على الخدمات".
وتابع:" استمرار مليشيا الحوثي الانقلابية بهذه السياسة التدميرية بحق الاقتصاد الوطني منذ سنوات عملت على إفقار المواطنين وزيادة مستويات الجوع في البلاد، وأضعفت أنشطة القطاع الخاص، مما انعكس بشكل كبير على ضعف القدرة الشرائية لدى المواطن".
ويعيش اليمنيون في صنعاء، ومناطق سيطرة الحوثيين، أوضاعاً معيشية قاسية منذ تسع سنوات إذ انعكست الحرب سلباً على مختلف مجالات الحياة وتسببت بحرمان غالبية المواطنين من شراء الأطباق الرمضانية نتيجة الظروف القاسية التي يمرون بها.
تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن 80% من سكان اليمن البالغ عددهم 32 مليوناً بحاجة إلى المساعدات، في حين تعاني المنظمات الإغاثية من نقص في تمويل عملياتها الإنسانية، ما يؤثر سلباً على حياة الكثير من الفقراء في البلد.
تجدر الإشارة إلى أن برنامج الأغذية العالمي في اليمن كان قد أعلن في مطلع ديسمبر من العام 2023، عن إيقاف برنامج مساعداته الغذائية العامة في المناطق الواقعة تحت سيطرة ميليشيا الحوثي، بسبب محدودية التمويل وعدم التوصل الى اتفاق مع الحوثيين من أجل تنفيذ برنامج أصغر يتناسب مع الموارد المتاحة للأسر الأشد ضعفا واحتياجا.
ومؤخراً حذرت منظمات أممية من تفاقم الأزمة الإنسانية في مناطق سيطرة الحوثيين إذ حذرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAO) أن ترتفع أسعار السلع الغذائية الأساسية والوقود بشكل موسمي، في الفترة من مارس حتى مايو 2024، استجابة للطلب المتزايد خلال شهر رمضان المبارك والعيد، وبسبب الآثار غير المتوقعة للتصعيد المستمر في البحر الأحمر.
وحذّرت المنظمة من تفاقم شديد للأزمة الغذائية في شمال البلاد مع الشهر الأخير للنصف الأول من العام الجاري، وقالت: "من المتوقع حدوث أزمة خطيرة لانعدام الأمن الغذائي في مناطق سيطرة الحوثيين، اعتباراً من يونيو القادم، بالتزامن مع غياب المساعدات الغذائية الإنسانية".
ه