قصتها أسرت قلوب العالم.. الطفلة السورية المعجزة "عفراء" تتم عامها الأول
الثلاثاء 6 فبراير 2024 الساعة 17:18
تقرير / المنارة نت

فجر السادس من فبراير عام 2023، استفاقت مناطق واسعة في شمال سوريا وجنوب شرق تركيا المجاورة، على زلزال مدمّر، تبعته هزات ارتدادية. 

وخلف الزلزال إنهيار أبنية بكاملها على رؤوس قاطنيها وقضى قرابة ستين ألف شخص في البلدين، بينهم ستة آلاف على الأقل في سوريا، ما فاقم مأساة سكان أضنتهم سنوات طويلة من الحرب.

كانت بلدة جنديرس في محافظة حلب السورية من المناطق الأكثر تضرراً بالزلزال. 

في هذه البلدة الواقعة قرب الحدود التركية، اكملت الطفلة المعجزة "عفراء" اليوم الثلاثاء عامها الأول بين أطفال عمتها التي تكفّلت وزوجها بتربيتها.

ويقول زوج عمتها خليل السوادي (35 عاماً)، وهو ابن عمّ والدها أيضا، لوكالة فرانس برس، "لدي سبعة أطفال. مع عفراء أصبحوا ثمانية"، مضيفاً "أسميتها عفراء تيمناً بوالدتها حتى نخلّد اسمها ولا تنسى عائلتها".

يحمل السوادي عفراء وطفلته التي تكبرها بأيام. ويوضح "ترضع زوجتي عفراء وطفلتنا التي أسميناها عطاء.. أصبحتا كالتوأم".

"معجزة" الزلزال

منذ اللحظات الأولى لإنقاذها في بلدة جنديرس والمشاهد التي تم تداولها عنها على نطاق واسع على شبكات التواصل الاجتماعي، أسرت قصة الرضيعة قلوب السوريين وقلوب البشر حول العالم، وتصدّرت عناوين الصحافة العالمية التي وصفتها بـ"معجزة" الزلزال.

في باحة المنزل، تحمل بنات أخريات أكبر سنّا في عائلة السوادي عفراء التي ترتدي سترة شتوية من الفرو، ويغنين لها. وبدأت الطفلة ذات الوجنتين الورديتين والعينين الواسعتين تحبو وتلفظ كلماتها الأولى.

ويقول السوادي بتأثر "عندما بدأت النطق، أصبحت تناديني بابا وتنادي عمتها ماما". متمتيا لها في المستقبل "أن تنال أعلى الشهادات" وتعيش بسعادة.

ويشعر الرجل النازح قبل سنوات من شرق سوريا بثقل المسؤولية لتربية عفراء وتعليمها مع أطفاله في منطقة فاقم الزلزال ظروفها المعيشية سوءاً.

لحظة العثور على "عفراء"

عندما عثروا على "عفراء" تحت أنقاض بيت هدّمه الزلزال في سوريا، كانت لا تزال متصلة عبر الحبل السُرّي بأمها، التي لفظت أنفاسها بعد أن وهبت عفراء الحياة.

ففي يوم السادس من فبراير/شباط 2023، وبعد أن ضرب زلزال مدمر منطقة جنديرس، كانت والدة عفراء تعاني المخاض تحت أنقاض بيتها. وقد وضعت مولودتها بالفعل قبل أن يعثر عليها رجال الإنقاذ.

وأسر مقطع فيديو إنقاذ المولودة عفراء قلوب البشر حول العالم، الذين كانوا يتابعون أخبار الزلزال المدمر في فبراير/شباط 2023م.

ولقد تعافت عفراء من كدمات كانت تعاني منها لحظة إنقاذها. وهي الآن أكملت عامها الأول من حياة ملؤها الصحة والسعادة في كنف عمّتها وزوجها وبين أولادهما السبعة بقرية جنديرس غير بعيد من الحدود التركية.

وفي حديث سابق يقول خالد السوادي زوج عمتها إن عفراء "طفلة هادئة جدا، وهي تذكّرني بأبيها وأختها نوارة، لا سيما حين تبتسم. وقد قضوا جميعا في الزلزال.

الطفلة المعجزة الناجية الوحيدة !

والطفلة المعجزة "عفراء" هي الناجية الوحيدة من أفراد أسرتها من الزلزال، الذي قتل فيما قتل أباها (أبو ردينة) وإخوتها الأربعة، فضلا عن أمها.

يضيف خليل السوادي إن زوجته عندما شاهدوا انهيار منزل أبو ردينة راحت تصرخ "أخي .. أخي".

صوت عفراء تحت الأنقاض

ويتذكر خليل بوضوح لحظة انتشال عفراء من تحت الأنقاض: "السقف كان قد ظلل عليهم. أحدهم ناداني وأخبرني أنهم عثروا على جثة امرأة. وما أنْ وصلت، حتى بدأتُ في الحفر، قبل أن أسمع صوتا. 

ويتابع "كان هذا هو صوت عفراء التي كانت لا تزال متصلة بأمها عبر الحبل السرّي".

وتداول حينها نشطاء التواصل الاجتماعي مقطع فيديو مؤثر للحظة إنقاذ عفراء. وقد وجد الفيديو طريقا سهلا لقلوب الملايين حول العالم.

أما الطفلة فقد نُقلت إلى إحدى المستشفيات السورية وأُطلق عليها اسم مبدئيّ هو "آية" والذي يعني "معجزة" في اللغة العربية.

وقال الطبيب الذي تولى العناية بعفراء، في حديث سابق لوسائل الإعلام، إنها وصلت إلى المستشفى وهي تعاني رضوضا وكدمات وصعوبات في التنفس.

وبعد مضيّ ستة أشهر، اختفت الكدمات، وأصبحت عفراء في حال صحية ممتازة، بحسب زوج عمّتها.

يقول خليل السوادي: "بعد الزلزال مباشرة، كانت عفراء تعاني بعض مشكلات في الصدر بسبب الغبار تحت الأنقاض حيث عُثر عليها، ولقد أخذتُها إلى الطبيب لكي يفحصها وهي الآن تنعم بصحة ممتازة".

الآلاف العروض لتنبني الطفلة 

غير أنه خلال الستة الأشهر الأولى من عُمر عفراء، كانت صعبة وقاسية.. وبينما كانت المولودة لا تزال في المستشفى، عرض آلاف الأشخاص من حول العالم أن يتبنّوها، وعندئذ كان على عمتها هالة وزوجها خليل أن يثبتا قرابتهما للطفلة قبل أن يُسمَح لهما بتبنّيها.

يقول خليل: "شعرت أنهم لا يرغبون في تسليم عفراء لنا".

وكان على هالة أن تجري فحص الحمض النووي. يؤكد خليل: "في البداية كان الأمر مجرد فحص للدم، ولكنهم بعد أسبوع اتصلوا بنا مجددا. وقد أخذوا عيّنة أخرى من دم وشَعر زوجتي. ثم استغرق الأمر 10 أيام حتى يكلّمونا".

ودفع الاهتمام البالغ بقصة عفراء عمتها وزوجها وعائلتهما إلى القلق من أن يجري اختطاف الطفلة بينما هم ينتظرون نتيجة فحص الحمض النووي.

وعلى سبيل الاحتياط، كان أفراد عائلة خليل يقضون أطول وقت ممكن في المستشفى غير بعيد من مكان عفراء.

يقول زوج عمتها "عناصر كثيرة من الشرطة المدنية والعسكرية ساعدتنا في تأمين الطفلة".

ظهور نتيجة فحص الحمض النووي

وبظهور نتيجة فحص الحمض النووي، تأكّدت علاقة الدم بين عفراء وهالة (أخت أب الطفلة)، قبل أن يسمح الأطباء بخروج الطفلة من المستشفى.

أول شيء فعله خليل وهالة كان إعطاء الطفلة اسما جديدا هو عفراء، على اسم والدتها المتوفّاة.

يواصل خليل سرد قصة الطفلة المعجزة : "هي الآن واحدة من أطفالي. لا أستطيع أن أقضي وقتا طويلا بعيدا عنها".

يضيف: "عندما ستكبر، سأروي لها ما حدث وسأريها صور أُمها وأبيها وإخوتها. ولقد دفنّاهم جميعا في اليوم التالي بقرية مجاورة تُدعى حاج إسكندر، حيث كانت عناصر الدفاع المدني قد حفرت مقابر جماعية لضحايا الزلزال".

رعاية رضيعتين في وقت واحد! 

وكانت هالة حاملا في نفس الوقت مع والدة عفراء، وبعد ثلاثة أيام من ولادة عفراء، وضعت هالة طفلة هي الأخرى، وقد أطلقوا على هذه الطفلة اسم "عطاء" على اسم عمّة أخرى قتلها الزلزال.

لكن منزل عائلة خليل في قرية جنديرس قد تضرر بشكل بالغ على نحو لم يعد ممكنا معه الاستمرار فترة أطول تحت سقفه.

يوضح خليل: "هناك شقوق كبيرة على نحو لا يبعث على الإحساس بالأمان. لقد فقدتُ منزلي وسيارتي. وأصبحت كمن يبدأ من الصفر. إنني حتى لم أعد أستطيع أن أتحمّل نفقات إرسال أبنائي إلى المدرسة".

وعاشت عائلة خليل في خيمة بأحد المعسكرات لمدة شهرين، حيث كانت الحياة شديدة الصعوبة، وكان الجو شديد الحرارة، وكان عليهم أن يرعوا رضيعتين في وقت.

وأخيرا، تمكّن خليل من العثور على منزل للإيجار حيث تعيش عائلته الآن، لكنهم يخشون ألا يكون في استطاعتهم البقاء في هذا المنزل الجديد لفترة أطول.

يقول خليل إن إيجار هذا المنزل "كبير للغاية، ولا أدري إن كان بوسعنا الاحتفاظ به لفترة أطول".

ولقد عرض أشخاص على خليل الانتقال للعيش في دول أخرى عربية وغربية، لكنه رفض لأنه "لا يزال قلقا (إذا هو انتقل للعيش في الخارج) من أن يأخذوا منه عفراء".

متعلقات