تُعد مجموعة "بريكس" من أكبر التكتلات الاقتصادية في العالم، وتعمل على تعزيز موقفها وتوسيع نفوذها لتحقيق هدف إحداث تغيير عالمي يطيح بالهيمنة الأمريكية، وهو ما يجعل القوى الاقتصادية الدولية الكبرى تترقب نتائج قمة "بريكس" التي ستنعقد في 22 أغسطس الجاري بمدينة جوهانسبرغ في جنوب أفريقيا.
وتشهد مجموعة "بريكس" إقبالاً من كثير من الدول، منها دول قدَّمت بالفعل طلبات رسمية، وبلغ عددها نحو 23 دولة، وأخرى أعلنت انها ما زالت تخطط لتقديم طلبات رسمية للانضمام للمجموعة.
النظر في طلبات الإنضمام
في القمة المرتقبة التي ستستمر لثلاثة أيام، ستنظر "بريكس" في طلبات الإنضمام اليها التي قدمتها 23 دولة، منها 8 دول عربية هي السعودية، الجزائر، البحرين، الكويت، مصر، الإمارات، المغرب، فلسطين.
كما ستبحث "بريكس" تعزيز استخدام العملات المحلية في التجارة بين الدول الأعضاء، وإنشاء نظام مدفوعات مشترك، في إطار المساعي لإحداث التغيير المنشود، حيث تأمل دول المجموعة، في إزاحة الولايات المتحدة الأمريكية من صدارة الاقتصاد العالمي.
وبحسب وكالات أنباء عالمية، فقد وجهت الدعوة لحضور قمة "بريكس" لقادة 67 دولة، أكد منهم 40 رئيس دولة وحكومة حضورهم.
رغم ذلك، خرج سفير جنوب أفريقيا لدى "بريكس"، بتصريحات قال فيها إن التكتل لا يسعى - باستخدامه العملات المحلية في التجارة البينية- إلى التخلص من الدولار الأمريكي (العملة الاحتياطية) ودولرة الاقتصاد العالمي، لأن الدولار "أمر واقع" حد تعبيره.
بناء هيكل دولي أكثر شمولاً وعدلاً
ونفى سفير جنوب افريقيا أيضاً فكرة أن "بريكس" تعادي الغرب أو تنافس مجموعة "دول السبع الكبرى"، مؤكدا إن هدف التكتل هو النهوض باقتصاد الجنوب العالمي، وبناء هيكل دولي أكثر شمولاً وتمثيلاً وعدلاً وإنصافاً.
بمعنى أدق، لا تركز "بريكس" على احتكار السوق العالمية، بل على تعزيز الترابط وبناء العلاقات المتبادلة في جميع القطاعات.
في المقابل كان بنك "بريكس" قد أعلن في يوليو الماضي عن نية إنشاء "عملة مشتركة" بهدف التصدي لهيمنة الدولار، سواءً كان من أجلُ تحقيق هذا الهدف في المدى المتوسط أو البعيد.
وفي الأوساط الاقتصادية، أصبح يُنظر إلى "بنك التنمية الجديد" التابع لبريكس، بمثابة منافس شرس -إن لم يكن بديلاً- للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذين يتخذان من واشنطن مقراً لهما.
وهذا البنك تعتبره موسكو أداة للمساعدة في تخفيف أثر العقوبات الغربية والابتعاد عن مبيعات النفط المرتبطة بالدولار، ويُشار إلى أن الصين تُعد أكبر مساهم في البنك.
أسباب رغبة الدول في الانضمام لـ"بريكس"
ثمة أكثر من 44 دولة تُبدي رغبتها في الانضمام إلى "بريكس"، منها 23 دولة تقدمت بالطلب الرسمي للانضمام، وستُجري جنوب أفريقيا، محادثات في القمة حول نموذج التوسيع ومعاييره، ويمكن فهم مبرر ذلك من خلال النظر إلى القوى الاقتصادية الكبرى التي يشملها هذه التكتل.
وتمثل الدول الخمس الأعضاء في "بريكس" أكثر من 42% من سكان العالم، ونحو 40% من مساحة العالم، و23% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و18% من التجارة الدولية، ما يعني أنها منافس فعلي لـ"مجموعة السبع" التي تستحوذ على 60% من الثروة العالمية.
وقد وصلت مساهمة "بريكس" في الاقتصاد العالمي إلى 31.5% وهي آخذة في الارتفاع، بينما توقفت مساهمة مجموعة الدول السبع عند 30.7%، وفقاً للتقارير.
القدرات النووية لـ "بريكس"
أضف إلى ذلك القدرات العسكرية والنووية، فـ"بريكس" تضم 4 من أقوى جيوش العالم، هي روسيا والصين والهند والبرازيل، ويصل إنفاقها الدفاعي إلى 400 مليار دولار سنويا، حسب إحصاءات موقع "غلوبال فاير بور" لعام 2023.
كما توجد ثلاث قوى نووية في "بريكس"، إذ يُقدر حجم السلاح النووي لدى روسيا والصين والهند بـ6 آلاف و463 قنبلة نووية، بحسب موقع "ستاتيستا" الأمريكي.
وفرضت الحرب الروسية الأوكرانية واقعاً مختلفاً بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، فمن جهة قلَّت الثقة الدولية بالدولار الأمريكي وزاد قلق المستثمرين تجاهه نتيجة استغلاله في فرض عقوبات ضد روسيا هي الأكبر في التاريخ، ومن جهة أخرى لفتت روسيا والصين بأنظارها إلى الدول النامية.
وربما ذلك ما يفسر المساعي الروسية لتوسيع العضوية وضَم الدول النامية والأفريقية إلى "بريكس" لتعزيز تعددية الأطراف، بل وتشكيل "بريكس بلس" عبر إضافة دول أخرى وإصدار العملة الموحدة لكسر هيمنة الدولار.
وتسعى العديد من الدول النامية التي تقدمت بطلب الانضمام لمجموعة "بريكس" للحصول على تمويلات وفرص استثمارية، والمساعدة في مواجهة الأزمات العالمية، ناهيك عن قناعاتها بأن واشنطن أصبحت غير مأمونة الجانب بخصوص إدارتها للقضايا الدولية مع بروز أزمات سقف الديون وما يرتبط بها.
القضاء على "التحيز الآسيوي"
وترى روسيا أن من الضروري ضمان مبدأ التمثيل الجغرافي، عبر إدراج دول مثل الدول الأفريقية، لأن ذلك قد يقضي على "التحيز الآسيوي" الذي يتجلى في وجود 3 من أعضاء بريكس جزئياً أو كلياً في آسيا.
كما يُراد زيادة وجود المسلمين وكذلك البلدان الفرانكوفونية أو الناطقة باللغة العربية في "بريكس"، وفقاً لموقع "المجلس الروسي للشؤون الدولية".
وسبق واعتبرت الهند، في يونيو الماضي، أنَّ "بريكس" أصبحت "رمزاً للتغيير" مؤكدة أن التكتل يريد إيصال رسالة قوية مفادها أن العالم متعدد الأقطاب وأنه يعيد توازنه وأن الطرق القديمة لا يمكنها معالجة الأوضاع الجديدة.
هذا وتقدَّمت لعضوية "بريكس" -من غير الدول العربية- كل من الأرجنتين، إثيوبيا،بنغلاديش، بيلاروسيا، بوليفيا، فنزويلا، فيتنام، كوبا، هندوراس، إندونيسيا، إيران، كازاخستان، نيجيريا، السنغال، تايلاند.
موقف واشنطن من "بريكس"
يترقب العالم، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، مخرجات قمة "بريكس"، خصوصاً وأنها ستبحث إنشاء عملتها المشتركة، والتي من المفترض أن يديرها "بنك التنمية الجديد".
وبالنظر إلى موقف واشنطن من هذا التكتل، فقد عملت على تعطيل انضمام عدد من الدول إلى "بريكس" خصوصاً وأن هذه الدول لا تزال في حاجة كبيرة إلى مساعدات المؤسسات الاقتصادية الغربية.
وقد عبرت الولايات المتحدة مراراً عن ما يمكن اعتبارُه "تجاهلاً للبريكس"، من خلال تصريحات ألمحت إلى أن هذا التكتل لا يشكل خطراً بالنسبة لها.
وسبق لـ"بنك أوف أمريكا" أن قلَّل من مخاطر عملة البريكس المرتقبة على الدولار، وقال إن المخاطر التي تهدد الدولار هي مخاطر محلية وتأتي من الداخل الأمريكي، أي القضايا المالية المُلحّة مثل احتمال تخلف سداد الديون.
واستبعد بنك أوف أمريكا أن تحل عملة بريكس محل الدولار لأنها ستتطلب تعاوناً بين الدول الأعضاء التي لديها تجارة محدودة مع بعضها البعض، باستثناء الصين التي يمكن أن تكون علاقاتها في كثير من الأحيان متوترة، وفقاً للبنك.
وفي نهاية يوليو الماضي، قالت سكرتيرة البيت الأبيض آرين جان بيير، وبالتحديد بعد طلب الجزائر الانضمام لبريكس، إن "السياسة الأمريكية لا تطلب من شركائها الاختيار بين الولايات المتحدة والدول الأخرى، حيث لا نريد تقييد الشراكات مع الدول الأخرى، لكننا نريد أيضاً أن يكون للبلدان خيار حول كيفية تحقيق النتائج لمواطنيها".
اعلان تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية
وعقدت أول قمة بين رؤساء الدول المؤسسة لمجموعة "بريكس" والتي تعد صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم، وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، في يكاترينبورغ بروسيا في حزيران 2009.
وتضمنت القمة، الإعلان عن تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية.
وعقد أول لقاء على المستوى الأعلى لزعماء دول «بريكس» في يوليو/تموز عام 2008، في جزيرة هوكايدو اليابانية حيث اجتمعت آنذاك قمة «الثماني الكبرى».
وشارك في القمة رئيس روسيا فلاديمير بوتين، ورئيس جمهورية الصين الشعبية هو جين تاو، ورئيس وزراء الهند مانموهان سينغ ، ورئيس البرازيل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا.
واتفق رؤساء الدول الأربع، على مواصلة التنسيق في أكثر القضايا الاقتصادية العالمية آنية، بما فيها التعاون في المجال المالي وحل المسألة الغذائية.
وانضمت دولة جنوب أفريقيا، إلى المجموعة عام 2010، فأصبحت تسمى بريكس بدلاً من بريك سابقا.