وحدها الأزمات والنكبات والمشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية هي ما خلفته مليشيا الحوثي الإرهابية، منذ تمردها وانتهاكها للقانون وانقلابها على الدولة، فقد خلف التمرد الذي قادته المليشيا الحوثية تعطيلا للقانون والدولة وغياب الرقابة الأمنية وظهور المزيد من الاختلالات والمشاكل الاجتماعية التي رافقت مسيرة الخراب والفوضى.
ولعل أبرز هذه المشاكل التي رافقت فترة الانقلاب والتي تعتبر أبرز تجلياته وأكثرها خطورة وأشدها فتكا بالمجتمع اليمني، هي ظاهرة انتشار المخدرات في اليمن وإغراقها بأنواع مختلفة ومكونات عدة منها، وازدياد نشاط الإتجار بها، عبر شبكات تهريب عالمية، فقد نشط هذا النوع من التجارة في اليمن مؤخرا، حيث باتت البلاد محطة مهمة لهذا النوع من الصفقات.
تهريب ومصانع
ووفقا لمصادر أمريكية فإن المخدرات التي يتم تهريبها من إيران إلى مليشيا الحوثي في اليمن، فاقت قيمتها مليار دولار خلال 2022، مشيرة إلى أن هناك مصانع للكبتاجون نقلت إلى اليمن.
وذكرت قناة "الحدث" السعودية في تقرير لها أنها حصلت على معلومات تؤكد على أن "ما تتمكن القوات الأمريكية وحلفاؤها من اعتراضه لا يتعدى نصف الكمية التي يتم تهريبها إلى الحوثيين".
وقد كشفت تلك المعلومات أن الحوثيين "حصلوا خلال الأشهر الماضية على معدات لبناء مصانع لإنتاج الكبتاجون في مناطق سيطرتهم وهم يعملون على إعادة تهريب المخدرات إلى المنطقة بهدف إغراقها بتلك المخدرات والاستفادة من الأموال".
وأعلن المتحدث باسم الأسطول الخامس "تيم هوكينز" عن اعتراض البحرية الأمريكية والبريطانية للعديد من المهربين وكميات كبيرة من المخدرات في خليج عمان وبحر العرب خلال الأسابيع الأولى من شهر مايو الماضي، مشيرا إلى أن "بعض الشحنات كانت تحمل الهيروين والمتفيتامين، وأن شحنتين من تلك الشحنات جاءتا من ميناء شهبار في إيران".
ويضيف "تيم هوكينز" في تصريحه: "ما يثير القلق أن قيمة المخدرات المضبوطة مؤخراً (شحنتين)، تصل إلى أكثر من مئة مليون دولار أمريكي (130 مليون دولار)، وهي موجهة إلى اليمن والمنطقة ويستعمل الحوثيون هذه الأموال لتمويل ذاتهم وتهديد الأمن الإقليمي".
ويؤكد المسؤول الأمريكي أن "المخدرات التي تم ضبطها كانت متوجهة لدول الشرق الأوسط، وبصرف النظر عن وجهتها فالمال يستعمل لأعمال غير شرعية مثل عمل العصابات الإجرامية وتمويل الإرهاب".
تدفق مرعب
وقد كشفت إحصاءات حكومية عن قيام الأجهزة الأمنية خلال عام 2022 في المناطق المحررة بالقبض على 400 شخص من مهربي ومروجي المخدرات من ضمنهم 60 مهربا أجنبيا، وأنه ومن خلال العمليات المكثفة لقوات الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بالتعاون مع قوات خفر السواحل، تم الاستيلاء على أكثر من 11465 كيلوغراما من الحشيش، بالإضافة إلى 1204 كيلوغرامات من الهيروين، و390 كيلوغراما من الكوكايين، و212 كيلوغراما من مخدر الشبو، وكميات أخرى من الأدوية المخدرة والمنشطات.
وتقول مصادر إن تهريب المخدرات إلى اليمن يتم عبر شبكة ممرات وطرق تهريب معقدة ومتعددة، وباتت توزع من قبل تجار ومهربين مرتبطين بقيادات في مليشيا الحوثي الانقلابية، حيث تحوّلت اليمن في الآونة الأخيرة إلى سوق مفتوحة للمخدرات بأصنافها المختلفة، عبر شبكات تهريب دولية تبدأ من طهران وحزب الله وتنتهي بزعماء المليشيا في اليمن.
وتكشف تقارير حقوقية عن قيام مليشيا الحوثي الإرهابية ببناء 93 مستودعاً للمخدرات في صنعاء، وتشير المصادر إلى أن وراء تلك الترتيبات أربعة قيادات حوثية بارزة ضالعة في تجارة المخدرات، الأمر الذي حوّل اليمن إلى سوق رائجة للمخدرات بأنواعها، مؤكدة أن مليشيا الحوثي استغلت تلك الأنواع من المخدرات في استخدام حبوب الهلوسة لتخدير مقاتليها للاستمرار في القتال لفترات طويلة دون أن يشعروا بالخوف أو الملل.
ارتفاع نسبة المدمنين
وعلى الرغم من إحباط الكثير من عمليات التهريب للمخدرات التي تأتي إلى اليمن وبكميات كبيرة، إلا أن ما يتم إحباطه لا يمثل سوى كميات قليلة مما يتم إيصاله إلى البلاد عبر شبكات عالمية وتنسيق مع هوامير وقيادات حوثية ضالعة في عمليات التهريب.
ويقول مساعد مدير شرطة محافظة مأرب العقيد الركن مجيب ناصر إن "شرطة محافظة مأرب وأجهزتها الأمنية أحبطت الكثير من شحنات التهريب، التي يتم تهريبها من السواحل الشرقية، وهذه الشحنات، التي تم ضبطها، لا تمثل سوى 20% من كمية المخدرات التي تدخل إلى اليمن".
وأضاف أن "الأجهزة الأمنية في محافظة مأرب ضبطت -خلال السنوات الخمس الماضية- ما يقرب من 135 جريمة و166 متهما، وتقدّر كمية المخدرات المضبوطة بـ12 طنا، تم إتلافها بمعرفة النيابة العامة
ويشير مدير شرطة مأرب إلى أن "هناك طرقا للتهريب عبر الصحراء، ومحافظة صعدة عبارة عن مركز لاستقبال المخدرات، سواء التي تأتي عبر الساحل الشرقي أو الجنوبي أو الغربي، باعتبار أن صعدة معقل مليشيا الحوثي، ومن ثم يتم تهريبها إلى السعودية ودول الخليج".
ويضيف بالقول: "لاحظنا -في العامين 2018 و2019- عندما كانت الحرب في الحديدة وأغلق ميناء الحديدة، ولم تستطع مليشيا الحوثي التهريب في تلك الفترة، كان نشاط الأجهزة الأمنية في محافظتي مأرب والجوف كبيرا جدا، فتم ضبط الكثير من شحنات المخدرات عبر الطريق الإسفلتي، كون عمليات التهريب تحوّلت عبر الساحل الشرقي".
ويؤكد العقيد مجيب ناصر أن "مصادر تهريب المخدرات هي دول الهلال الخصيب (إيران وأفغانستان وباكستان والهند)، لكن إيران تغزو اليمن ودول الخليج بالمخدرات ليسهل السيطرة عليها فيما بعد، وبتحرير اليمن من مليشيا الحوثي والحسم العسكري سيتطهّر اليمن من هذه الآفة".
ووفقا لتقارير دولية فإن نسبة تعاطي المخدرات لم تكن تمثل سوى 1% فقط، قبل استيلاء مليشيا الحوثي على السلطة، غير أنه وبعد سيطرة المليشيا على صنعاء واستخدام المخدرات في تمويل حربها ضد اليمنيين، وبالإضافة إلى استخدام المخدرات مع الشمة التي يتعاطاها مقاتلوها في الجبهات، ارتفعت نسبة التعاطي في مناطق سيطرة المليشيا ما بين 10 - 20%، والغالبية من المقاتلين معها في الجبهات.
نشاط ملحوظ
وتفيد تقارير صادرة عن الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بأن نسبة المتعاطين في المجتمع اليمني وصلت إلى 25% على مستوى الجمهورية، في سابقة خطيرة، ونسبة كبيرة لم تشهدها اليمن من قبل.
ويشير مراقبون إلى أن "غياب الدولة وتعطيل القانون ساهم بنسبة كبيرة في انتشار المخدرات والمتعاطين لها، حيث إن العصابات التي تقوم بترويج وبيع هذه المواد نشطت في الآونة الأخيرة بشكل لافت، وتعتبر عواصم المدن هي الأكثر تضررا، نظرا للكثافة السكانية والظروف الاقتصادية، وقلة العمل، وسيطرة المليشيا على عواصم المدن، مما يلجئ الشباب للتعاطي بهدف التسلية وإضاعة الوقت".
ويقول المحلل السياسي والعسكري "علي الذهب" في حديثه لـ"الإصلاح نت": "يعتبر هذا الأمر أحد رؤوس مثلث الشرور الموجودة التي تنتشر في مناطق وظروف النزاعات المسلحة وهي: المخدرات، الإيدز، الإرهاب، حسب توصيف البنك الدولي".
ويضيف المحلل العسكري بالقول: "تعد تجارة المخدرات أحد مصادر التمويل لجماعات العنف بمختلف توجهاتها الإرهابية والجماعات المتمردة، حيث لدى هذه الجماعات فتاوى من بعض زعمائها ومنظريها تجيز لهم هذا النوع من الأنشطة، وأن الأمر ـبحسب تلك الفتاوىـ لا يعدو أن يكون مباحا، من أجل مواجهة الأعداء والخصوم".
وأشار إلى أن إيران "تعد أحد مصادر وطرق التدفق لتجارة المخدرات، حيث تعتمد على هذا النوع من المواد كوسيلة لإشاعة الفساد والفوضى في المناطق التي تستهدفها وتسعى إلى إحلال الخراب فيها وزعزعة أمنها".
ووفقا للذهب فإن "ساحل مكران الذي يضم باكستان وإيران وبحر العرب هو ضمن مناطق العبور، والذي يشمل القرن الإفريقي واليمن، لينتهي المطاف في منطقة الخليج التي تعتبر واحدة من كبرى مناطق الوصول".
آثار كارثية
وقد كثر الحديث مؤخراً عن تنامي انتشار مخدر الشبو بين أوساط المجتمعات المحلية في عدد من المحافظات اليمنية، في ظل تواتر المعلومات عن وجود مصانع ومعامل كيماوية لتصنيعه وتجهيزه محلياً، فيما يقدر سعر الغرام من الشبو بـ20 ألف ريال يمني (20 دولارا).
وبحسب صحيفة "إندبندنت عربية" نقلا عن مسؤول يمني، فإن مخدر الشبو الذي بدأ بالانتشار مؤخرا، يعد من أخطر أنواع المخدرات وأشدها فتكا بمتعاطيه.
وتقول الصحيفة نقلا عن مصادرها إن مخدر الشبو "له آثار كارثية تتعدى كل التوقعات، لأن متعاطيه يقوم بأبشع الجرائم التي تبدأ بالأسرة وتنتهي بالمجتمع، من جرائم القتل والسرقة وغيرها، ويحول الشبو المتعاطي إلى وحش مفترس غاضب لا يدرك أي معنى للحياة، ولا يفرق بين القريب والبعيد".
وتضيف الصحيفة: "ويؤدي الشبو إلى اختلال جهازه العصبي ونظام الاتصال وإفراز النواقل العصبية، واضطراب عقلي يتميز بأعراض ذهانية مثل الهلوسة وجنون العظمة والتفكير غير المنظم والسلوك غير المنظم، وآثار نفسية كالأرق والقلق والاكتئاب".
الخطر الأبرز
ويرى أكاديمي يمني طلب عدم ذكر اسمه بسبب تواجده في مناطق الحوثيين في حديث خاص لـ"الإصلاح نت"، أن "الوضع في اليمن بات خطيرا وكارثيا لا سيما في مناطق سيطرة الحوثيين، إذ لم يسبق للمجتمع اليمني أن شهد تدفقا لمثل هذه الشرور من قبل".
وبحسب المصدر ذاته فإن مليشيا الحوثي "استغلت المخدرات بأنواعها أسوأ استغلال في خدمة أجندتها وأهدافها، دون أدنى بقية من قيم إنسانية، أو وازع ديني، أو مراعاة للأعراف والقوانين".
ويقول المصدر إن الحوثيين "لم يتورعوا عن إعطاء مقاتليهم أنواعا مختلفة من المخدرات التي تصل إلى أيديهم، لضمانة بقاء المغرر بهم من المقاتلين في صفوفهم، بفعل الإدمان على بعض المواد التي يتم إعطاؤها لهم من قبل المليشيا، إذ الأصل في الأمر هو تنمية القوى الذهنية والعقلية والجسدية والمحافظة عليها من قبل المؤسسات التي تضم أولئك المقاتلين".
ووفقا للمصدر فإن "السبب الأبرز للكثير من الحالات التي يظهر عليها مقاتلو المليشيا من التهور والإقدام في ساحات المعارك، هو تعاطيهم لأنواع من تلك المخدرات والتي تولد لديهم شعورا غير طبيعي بالشجاعة والثقة بالنفس، وهو ما يفسر ذلك العدد الكبير من القتلى في صفوف مقاتلي المليشيا".
ويحذر الأكاديمي اليمني من مغبة انتشار المخدرات في المجتمع اليمني، مؤكدا أن "ظهور هذه الآفة في المجتمع سيصيب الشباب خصوصا وأبناء المجتمع بشكل عام في مقتل، إذ أنها ستكون إضافة أكثر خطورة إلى مشاكل الشباب المحدقة عليه، والتي أهمها البطالة والفقر والأمية".
عائدات مهولة
ووفقا لتقرير صادر عن الشبكة اليمنية للحقوق والحريات نهاية العام الماضي 2022، فإن اليمن منذ بداية انقلاب الحوثي "بات سوقا رائجة للكثير من السلع غير المرخصة والمنشطات والمخدرات بأنواعها بشكل لافت، وبطريقة غير معهودة، لم يسبق لليمن أن شهد هذا الضخ والكم الهائل من المخدرات من قبل".
وتقول الشبكة الحقوقية إنها حصلت على معلومات من مصادر مختلفة "تؤكد أن تهريب المخدرات والإتجار بها مرتبط ارتباطا وثيقا بمليشيا الحوثي الانقلابية، وأوضحت ضلوع قيادات في مليشيا الحوثي في تهريب المخدرات بأنواعها والمتاجرة بها وتسهيل المرور لها بكميات كبيرة.
ويضيف تقرير الشبكة: "يعتمد الحوثيون اعتمادا كبيرا على تهريب المخدرات من خلال العائدات المهولة التي يجنونها من وراء الإتجار بها، حيث أشارت تقديرات اقتصادية إلى أن حجم الأموال المتدفقة إلى خزائن الانقلابيين من المخدرات قد بلغت 6 مليارات دولار سنويًا".
وأشارت إلى أن "ضباطاً في الحرس الثوري الإيراني تعاونوا مع تجار المخدرات في كولومبيا لإنتاج كارتيلات ومراكب غاطسة لتهريب الأسلحة ومكونات الصواريخ والمخدرات إلى الحوثيين".
ويكشف التقرير أنه "يتواجد فريق يعمل بشكل خفي برئاسة محمد الحوثي وأبو علي الحاكم وشقيق زعيم المليشيا عبد الكريم الحوثي وفارس مناع وقيادات أخرى".
وتكشف الشبكة الحقوقية عن "تورط قيادات حوثية بارزة في شبكات الإتجار بالمخدرات والاعتماد عليها كمصدر مهم لتمويل ما تسميه المجهود الحربي، واستدراج واستقطاب الآلاف من الشباب للانخراط في صفوفها، والزج بهم في معاركها العبثية".
وأوضحت أنها حصلت على معلومات خاصة تفيد بوجود "39 هنجرا في العاصمة صنعاء وحدها يستخدمها تجار حوثيون في إخفاء أنواع متعددة من المخدرات التي يتم استيرادها من إيران حيث يتم تهريبها عبر ميناءي الحديدة والصليف ومرافئ صيد في شمالي الحديدة، تابعة لشبكات منظمة يشرف عليها قيادات حوثية عليا"، مشيرة إلى أن "عصابات التهريب المرتبطة بالحوثيين تعمد إلى استخدام النساء والأطفال في تهريب المخدرات".
ويلفت تقرير الشبكة إلى أنه إضافة إلى إغراق مليشيا الحوثي بالسوق المحلية بالمخدرات، "تستخدم اليمن كمحطة لتهريب المخدرات وتصديرها إلى السعودية ودول أخرى، حيث تعتبر محافظة صعدة معقل الحوثيين والقريبة من السعودية إحدى أبرز المدن اليمنية في تجارة المخدرات، بالإضافة إلى شهرتها كأرض خصبة لزراعة الحشيش منذ عقود".