- التصاعد المقلق في الأنشطة النووية يسلط الضوء على الأهمية المتزايدة للسلاح النووي في السياسة العالمية ومشكلات الدبلوماسية.
وسط تهديدات نووية متصاعدة، من كوريا الشمالية وإيران وروسيا، من المهم للغاية بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا وغيرهما أن تجدد التأكيد على قيمها الجماعية.
وقالت الدكتورة ماريون ميسمر، كبيرة زملاء الأبحاث في برنامج الأمن الدولي بمعهد "تشاتام هاوس" المعروف رسمياً باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية، وجوليا كورنوير الباحثة المساعدة في البرنامج، في تقرير نشره المعهد: إن "اختبار كوريا الشمالية لصاروخ باليستي عابر للقارات يعمل بالوقود الصلب، هو أحدث تطور في وقت يشهد خطراً نووياً متصاعداً في مختلف أنحاء العالم، بجانب تخصيب إيران لليورانيوم إلى مستوى قريب من مستوى تصنيع أسلحة نووية، وخطط روسيا لنشر أسلحة نووية في بيلاروسيا".
خطط أمريكية لنشر غواصات نووية
كما أعلنت الولايات المتحدة أيضاً عن خطط لنشر غواصات مسلحة بأسلحة نووية في المحيط الهادئ، بعد طلبات للحصول على ضمانات نووية من كوريا الجنوبية التي تشعر بقلق متزايد من تهديدات كوريا الشمالية.
ويأتي هذا الإعلان بعد أسابيع فقط من إعلان روسيا أيضاً عن نشر غواصاتها المسلحة نووياً في المحيط الهادئ.
ورأت الباحثتان ميسمر وكورنوير في تقرير نشره معهد تشاتام هاوس، أن مثل هذا التصاعد المقلق في الأنشطة المرتبطة بالأسلحة النووية يسلط الضوء على الأهمية المتزايدة للأسلحة النووية في السياسة العالمية ومشكلات الدبلوماسية النووية، إلا أن الأدوات المتعددة الأطراف لا يزال بإمكانها تقديم ردود فعالة.
إعلان بوتين تعليق مشاركة روسيا في معاهدة "نيو ستارت"
وقد جاء إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، عن تعليق مشاركة روسيا في معاهدة ستارت الجديدة "نيو ستارت" بمثابة توقف في جهود الحد من الأسلحة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وروسيا، إلا أن العلاقات النووية الدولية تدهورت بشكل تدريجي على مدى عدة سنوات مع تصاعد التوترات بين الدول المسلحة نووياً، وانتهاك العديد من الاتفاقيات الرامية إلى السيطرة على الأسلحة النووية أو الانسحاب منها.
وقالت الباحثتان إنه "على الرغم من ذلك فإنه لا يزال هناك التزام واسع النطاق داخل معاهدة حظر الانتشار النووي، من أجل النزع متعدد الأطراف للسلاح النووي في نهاية المطاف، وهي قاعدة قوية للحفاظ على حظر تجارب الأسلحة النووية ومبدأ حظر الانتشار النووي. إلا أن معاهدة حظر الانتشار النووي تتعرض لخطر في ظل الصراع المتزايد في البيئة السياسية العالمية".
وقد انتهى مؤتمر مراجعة المعاهدة عامي 2015 و2022 بدون صياغة وثيقة بالإجماع، كما انسحبت روسيا من الوثيقة في اللحظة الأخيرة في عام 2022، وقد تزايد عدد القضايا التي تختلف عليها الدول بشدة بمرور الوقت، الأمر الذي جعل تحقيق تقدم في أهداف المعاهدة أكثر صعوبة.
التسبب بشلل في النظام متعدد الأطراف
وأشارت ميسمر وكورنوير ، إلى أن عدداً متزايداً من الدول يبدو غير راغباً في اللعب وفقاً للقواعد القائمة حالياً، وتنسحب كوريا الشمالية وإيران وروسيا من قيم التعاون الدولي وسيادة القانون الدولي، الأمر الذي يسبب شللاً في النظام متعدد الأطراف، خاصة مجلس الأمن الدولي.
تطورات مقلقة
وللتعامل مع هذه التطورات المقلقة، اتخذت الولايات المتحدة خطوات لتعزيز الشفافية وتقليص فرص وجود تصورات خاطئة من خلال الاستمرار في تبادل الإخطارات الخاصة بتطورات معاهدة "نيو ستارت"، على الرغم من القرار الروسي بوقف تبادل كل الإخطارات التي تنص عليها المعاهدة فيما عدا إطلاق الصواريخ الباليستية.
واعتبرت الباحثتان ميسمر وكورنوير أن هذا القرار الأمريكي يعد خطوة إيجابية صوب تقليص خطر التصورات الخاطئة وسوء الفهم، ولكن مع مواصلة الولايات المتحدة التزامها الحالي بمعاهدة "نيو ستارت"، يتعين عليها أن تدرس تبادل البيانات بشكل علني أكثر، أو مع عدد أكبر من الدول بهدف تأكيد المزيد من الشفافية والامتثال المستمر للمعاهدة.
وتؤكد مثل هذا الخطوة أهمية وجود نهج تعاوني للتعامل مع القضايا المعقدة التي تحيط بالانتشار النووي واحتمال استخدام الأسلحة النووية. وتكتسب القواعد قوة من خلال الالتزام بها. وإذا أراد المجتمع الدولي الحفاظ على هذه القيم، فإن الطريقة الأكثر فاعلية هي الاستمرار في العمل وفقاً لها. وأكدت الباحثتان ضرورة أن تعمل دول العالم معاً لتجسيد القيم المشتركة حتى إذا لم تشارك كل الجهات الفاعلة، وأن تدرس أوراق الضغط التي يمكن أن تستخدمها مع الجهات الفاعلة غير المتعاونة لتشجيعها على الامتثال.
وقد يكون قرار إيران بتخصيب اليورانيوم إلى مستويات قريبة من المستويات اللازمة لصنع أسلحة نووية مجرد محاولة لزيادة الضغوط على شركائها في التفاوض، كما أن إعلان روسيا عن خطط لنشر أسلحة نووية في بيلاروسيا يمكن أن يمنحها نفوذاً في اتفاقيات الحد من الأسلحة، لأن روسيا تطالب منذ فترة طويلة بإزالة الأسلحة النووية الأمريكية المتمركزة في أوروبا.
ويتعين على الدول محاسبة نفسها والآخرين عن المعاهدات وإطارات العمل حتى عندما يبدو أنها غير ناجحة. وعلى الرغم من انسحاب الولايات المتحدة وروسيا من معاهدة السماوات المفتوحة، فإن استمرار الدول الأخرى الموقعة على المعاهدة في الالتزام بها، يظهر التزاماً بقيم التعاون والشفافية. وقد يمثل هذا نموذجاً للقواعد والقيم الأخرى، ويمكن رؤية التزامات مماثلة من الدول الأعضاء في معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية واتفاقية الأسلحة البيولوجية واتفاقية الأسلحة الكيميائية ومعاهدة حظر الأسلحة النووية.
وأكدت ميسمر وكورنوير أن إظهار الالتزام يشجع الآخرين، وأوضحتا أن العضوية تظهر التزاماً بالقيم على الرغم من التحديات والعقبات التي تواجه الموقعين لضمان حماية أنظمة المعاهدة من التعرض لهجوم أو توسيع العضوية أو تعميم القواعد الأساسية.
استراتيجيات المعاملة بالمثل
وبالإضافة إلى ذلك، يجب على أوروبا والولايات المتحدة تجنب أن تصبح محاصرة، وبدلاً من ذلك، يتعين عليهما تقديم مقترحات والقيادة بالنموذج والقدوة لتعزيز القيم التي تزعمان الالتزام بها. وتعتبر استراتيجيات المعاملة بالمثل غير فعالة في نظام تكيف معقد، مثل النظام النووي الدولي، لأن الدول تضطر باستمرار إلى اتخاذ مواقف كرد فعل بسبب الجهة الفاعلة الأكثر تأثيراً. وقد يتسبب هذا في الدخول في حلقة دائمة من عدم الثقة والعداء.
ورأت الباحثتان أن النظام الدولي ليس مقصوراً على لعبة صفرية، وأن العمل وفقاً لأنظمة قيم هو السبيل الوحيد لتشجيع آخرين على الالتزام بها. ومن خلال انتهاج شفافية متزايدة وتعزيز الدبلوماسية وتقوية التعاون والحفاظ على القواعد والقيم المشتركة، يمكن للمجتمع الدولي أن يخفض التوترات.
واختتمت الباحثتان ميسمر وكورنوير تقريرهما بالقول إن "قرار الولايات المتحدة بالاستمرار في نشر جزء من بيانات معاهدة (نيو ستارت) هو خطوة في الاتجاه الصحيح. ومن خلال تبني أساليب مماثلة، تستطيع الدول العمل على إقامة شبكة تعاون تتعامل مع تعقيدات المشهد النووي المتطور".