كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في حديث تلفزيوني جديد، عن خيارات بلاده النووية، تجاه قذئف اليورانيوم المنضب، التي أعلنت بريطانيا مؤخرا إرسالها إلى أوكرانيا.
وقال الرئيس فلاديمير بوتين، إن بلاده ستنشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا المجاورة، في خطوة من شأنها أن تزيد من منسوب التوتر الدولي الذي نجم عن اندلاع الحرب في أوكرانيا منذ شباط 2022.
وتناول الرئيس الروسي، في الحديث التلفزيوني لبرنامج "موسكو، الكرملين، بوتين" الأسبوعي، بعض مما دار خلال لقاءاته مع ضيفه الرئيس الصيني شي جينبينغ، ولا سيما لقاء اليوم الأول، الذي طال لأكثر من أربع ساعات ونصف الساعة، وما تطرقا إليه في مختلف القضايا.
واوضح بوتين، إنه تناول وضيفه الصيني، غداء عمل في جو من الود والصداقة، أعقبته دعوة المضيف إلى استكمال حديثهما في شقته المجاورة لمكتبه التي يبيت فيها أحياناً في الكرملين بسبب ضغط العمل وما يقتضيه أحياناً من البقاء لوقت متأخر من الليل، على حد تعبيره.
وجلس الرئيس الروسي ونظيره الصيني، حول المدفأة يحتسيان الشاي، ويتبادلان أطراف الحديث، الذي قطعه خبر ورد من بريطانيا، عن نائبة وزيرة الدفاع البريطانية حول أن بلادها قررت إمداد أوكرانيا إلى جانب دبابات "تشالنجر-2" بقذائف اليورانيوم المستنفد (المنضب).
وأعرب بوتين عن سخطه تجاه إعلان بريطانيا تزويد اوكرانيا بقذائف يورونيوز منضب، قائلاً "إن الغربيين اتخذوا مثل هذا القرار مع سبق الإصرار، من أجل الشوشرة على مباحثاتنا والتأثير فيها".
وأكد أن استخدام قذائف اليورانيوم من شأنه إلحاق الضرر أكثر مما يمكن أن يجلب الفائدة. متسائلا عما إذا كان الأوكرانيون يعتبرون أولئك الذي يعيشون على هذه الأرض "ملكاً" لهم؟ كيف سيستخدمونها ضد أشخاص هم في الحقيقة شعبهم، مع الأخذ في الاعتبار أن مخلفات هذه القذائف ستنشر الغبار النووي، بما في ذلك المناطق المزروعة الملوثة لما تحمله هذه القذائف من مواد ضارة.
ليس الرد الوحيد
وحذر الرئيس بوتين الغرب بالقول: "أن نقل الصواريخ النووية الروسية التكتيكية إلى بيلاروس لن يكون ردنا الوحيد" مردفا "إننا أنفسنا سنكون قادرين على إطلاق قذائف اليورانيوم"، فروسيا ومن دون أية مبالغة تملك من هذه المقذوفات مئات الآلاف تملأ المستودعات والمخازن الروسية".
كما اكد الرئيس الروسي، أن بلاده لم تستخدم مثل هذه القذائف بعد، وأنها على استعداد لنقل الأسلحة النووية التكتيكية إلى أراضي بيلاروس، وستساعد البيلاروسيين أيضاً على استخدامها.
وكشف عن أن الجانب الروسي قدم المساعدة التقنية لتجهيز عشر طائرات جاهزة لاستخدام هذا النوع من الأسلحة. ومضى الرئيس الروسي ليؤكد ألا شيء غير مألوف في هذا الصدد، فالولايات المتحدة تفعل ذلك منذ عقود، وتنشر أسلحتها النووية التكتيكية على أراضي دول "الناتو" في أوروبا، كما أن ألكسندر غريغوريفيتش (لوكاشينكو) محق في قوله "نحن أقرب حلفائك. لماذا يفعل الأميركيون ذلك مع حلفائهم؟".
منظومة صواريخ "إسكندر"
واستطرد "لقد اتفقنا مع بيلاروس على أن نفعل الشيء نفسه، من دون أن ننتهك التزاماتنا في شأن عدم انتشار الأسلحة النووية". وإذ أشار بوتين إلى أن بلاده ترتبط مع بيلاروس بمعاهدة اتحادية، قال إنها زودت بيلاروس بمنظومات صواريخ "إسكندر"، والتي من الممكن استخدامها في إطلاق الصواريخ النووية التكتيكية، كما أنه من المقرر الانتهاء مطلع يوليو (تموز) من بناء مستودع لتخزين الصواريخ النووية في بيلاروس.
احتدام الخلاف بين أوكرانيا وبيلاروس
ومن المعروف أن بيلاروس كانت انتهجت في بداية الحرب الروسية - الأوكرانية، موقفاً أقرب إلى المهادنة، والميل نحو الوساطة بين موسكو وكييف، بل وبادرت باستضافة أول مباحثات سلمية بين الجانبين في أعقاب اندلاع "العملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) 2022.
إلا أنه ومع مضي الوقت تباعدت المسافات، واحتدمت الخلافات التي بلغت حد إطلاق الرئيس ألكسندر لوكاشينكو أوصاف سيئة ضد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، منها وصفه بـ"الأحمق"، في أعقاب محاولة فاشلة من جانب أوكرانيا لتدمير مقاتلة روسية على أراضي أحد مطارات بيلاروس.
وقال لوكاشينكو إن مثل هذه العمليات لا يمكن أن تتم من دون موافقة رئيس البلاد القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وكانت بوادر "القطيعة" بين أوكرانيا وبيلاروس التي سبق واستضافت كثيراً من جولات مباحثات السلام بين موسكو وكييف على مدى ما يزيد على ثماني سنوات جرى التوصل خلالها إلى "اتفاقيات مينسك-1 و2"، ظهرت جلية واضحة، وراحت تتزايد يوماً بعد يوم في أعقاب تورط أوكرانيا في محاولات إطاحة لوكاشينكو إثر الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية في أغسطس (آب) 2020.
وبالعودة إلى ما قاله الرئيس بوتين، في استعراضه لمجمل الأوضاع الراهنة، الذي بدأ وكأنما أراد به مزيداً من الشرح لما يراه ضرورياً لتوضيح آفاق للصراع الأوكراني، نشير إلى ما تطرق إليه في شأن الحاجة إلى مزيد من الكميات الهائلة من الذخيرة.
وكان الرئيس الروسي أعلن "أن الولايات المتحدة تريد إنتاج 42 ألف قذيفة العام المقبل، في وقت تستهلك فيه أوكرانيا ما يصل إلى خمسة آلاف في اليوم! ونحن (روسيا)، كنا ننفق أكثر من ذلك بكثير".
وتابع "إنه وعلى رغم كونه ليس بصدد تقييم عقلانية اتخاذ القرار على مستويات مختلفة من القيادة العسكرية، فإن وزارة الدفاع وهيئة الأركان العامة صارتا مجبرتين الآن على وضع حدود معينة". لافتا إلى "إن شحنات الأسلحة الغربية على أي حال لا تزال بعيدة عن وتيرتنا، وسيرسل المخربون 420-440 دبابة إلى أوكرانيا. في هذا الوقت سننتج ونحدث 1600 دبابة".
وتطرق بوتين إلى العدد الإجمالي لدبابات الجيش الروسي الذي سيتجاوز ثلاثة أضعاف عدد دبابات القوات المسلحة الأوكرانية، مؤكداً أن بلاده ستضاعف أعداد ما ستنتجه من دبابات جديدة، رداً على الخطط الغربية لتزويد أوكرانيا بـ400 دبابة.
نقل الاسلحة بسرية بالغة تحت جنح الظلام
وحول التساؤلات عن الأسباب التي تحول دون قصف وتدمير ما يجري من إمدادات عسكرية غربية إلى أوكرانيا، فور وصولها إلى الحدود الأوكرانية، وقبل تحركها إلى جبهة القتال، قال إن الغرب ينقل ما يمد به أوكرانيا من أسلحة في سرية بالغة تحت جنح الظلام، وإن القوات المسلحة الروسية تحاول تدميرها أثناء عملية "التسليم والتسلم".
وأوضح "أن الجيش الروسي ينجح في ذلك أحياناً، لكنه لا يوفق في أحيان أخرى، ما يستطيع (جيشنا) الوصول إليه يستهدفه. وبالطبع هذا الهدف، أي تدمير الأسلحة الواردة من الخارج، قائم، وليس هناك أي إهمال في التعامل مع هذه القضية".
وكانت وسائل الإعلام الروسية حذرت من مغبة استخدام "قذائف اليورانيوم المنضب" التي ثمة من اعتبرها أقرب إلى "القنابل النووية القذرة". وفي هذا الصدد، نقلت صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" عن أندريه كلينتسفيتش رئيس مركز دراسة النزاعات العسكرية والسياسية، ما قاله حول أن "الحديث يدور عن قذائف من عيار خارق للدبابات، واختصار تسميتها BOPS، ويطلق عليها أحياناً اسم (الذخيرة الحركية)".
وأضاف "إن هذه القذائف تتمتع بقدرة اختراق عالية. فكلما كان قلب أو سبيكة هذه المقذوفة أقوى كان اختراقها أفضل للدروع. وأظهرت الدراسات أن سبيكة اليورانيوم المستنفد مع التيتانيوم قوية للغاية".
أما عن مدى قدرتها على نشر ما تحتويه من سموم وإشعاعات فقال الخبير الروسي إنها "لا تنشر إشعاعات، لكنها شديدة السمية. والحقيقة أن الغبار الناعم الذي يتشكل عندما تصطدم بشيء وبعائق يتسرب إلى الجهاز التنفسي عند الإنسان، وهذا ضار جداً".
ومضى يشير إلى أن الأسلحة التي تحتوي على اليورانيوم المنضب ذخيرة لمركبات المشاة القتالية والدبابات والطيران إذا تم استخدامها في أوكرانيا فسوف تعتبر روسيا ذلك استخداماً لقنبلة ذرية قذرة.
"شفافية العلاقات"
ونعود إلى ما كشف عنه الرئيس الروسي في تعليقه على ما أعربت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون من مخاوف تجاه ما تردد حول التحالف العسكري بين روسيا والصين. قال بوتين إن "موسكو لا تنشئ تحالفاً عسكرياً مع الصين ولا تهدد أي دولة" واصفا ذلك بـ"المزاعم التي لا علاقة لها بالواقع".
ولمزيد من الإيضاح أضاف الرئيس الروسي أن بلاده "تتعاون مع الصين في المجالات العسكرية – التقنية، وهي لا تخفي ذلك، وما يجري في هذا الصدد بين البلدين يتم في إطار من الشفافية، ولا يوجد سر هناك".
واردف "إنه وعلى رغم شفافية العلاقات بين موسكو وبكين، تواصل الدول الغربية محاولاتها الرامية إلى تشكيل "ناتو عالمي" يضم مناطق جديدة.
وتطرق الرئيس الروسي إلى الاتفاقية التي توصلت إليها بريطانيا واليابان في مطلع هذا العام في شأن تطوير العلاقات في المجال العسكري. وقال "هذا هو السبب الذي يدفع سياسيين غربيين أنفسهم إلى القول إن الغرب بدأ في بناء محور جديد شبيه بالمحور الذي شكله في ثلاثينيات القرن الماضي النظامان الفاشيان في ألمانيا وإيطاليا، وفي اليابان بما انتهجته من عسكرة لسياساتها".
التهديد النووي يرعب أوكرانيا
وكانت أوكرانيا، طالبت الأحد الماضي، باجتماع طارئ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بعد أن أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه سينشر أسلحة نووية "تكتيكية" في بيلاروس.
وقالت وزارة الخارجية الأوكرانية في بيان "تنتظر أوكرانيا إجراءات فعالة من قبل المملكة المتحدة والصين والولايات المتحدة وفرنسا لمواجهة الابتزاز النووي الذي يمارسه الكرملين"، مضيفة "نطالب بعقد اجتماع استثنائي لمجلس الأمن الدولي فوراً من أجل هذا الغرض".
"الناتو" يراقب عن كثب
وانتقد حلف شمال الأطلسي (ناتو)، الأحد، روسيا بسبب حديثها "الخطير وغير المسؤول" عن الأسلحة النووية، وذلك بعد يوم من إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده ستنشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروس.
وقال متحدث باسم الـ"ناتو": "حلف شمال الأطلسي متيقظ، ونراقب الوضع عن كثب. لم نرصد أي تغييرات في الوضع النووي لروسيا من شأنها أن تقودنا إلى تعديل وضعنا".
ألمانيا تندد بـ"الترهيب النووي"
ونددت الحكومة الألمانية، الأحد، بما اسمته "محاولة جديدة للترهيب النووي" من موسكو. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الألمانية، طالباً عدم الكشف عن هويته "لن ندع أنفسنا ننحرف عن مسارنا" بسبب هذه التهديدات.
وأضاف أن "المقارنة التي أجراها الرئيس بوتين مع صواريخ حلف شمال الأطلسي النووية خاطئة ولا يمكن استخدامها كمبرر"، مشيراً أيضاً إلى أن بيلاروس "تخالف" التزامها البقاء أرضاً خالية من الأسلحة النووية.
إعلان بوتين المفزع للغرب
وأعلن بوتين، السبت، أن روسيا ستنشر أسلحة نووية "تكتيكية" في بيلاروس، وأنه تم تجهيز 10 طائرات استعداداً لاستخدام هذا النوع من الأسلحة.
وقال بوتين في مقابلة عبر التلفزيون الروسي "لا شي غير اعتيادي هنا. الولايات المتحدة تفعل ذلك منذ عقود. هي تنشر منذ زمن طويل أسلحتها النووية التكتيكية على أراضي حلفائها".
المصدر: " اندبندت عربية" + وكالات