في ذروة سكرة المليشيا الحوثية وغمرة ظنها أن محافظة إب، باتت خاضعة لإرادتها وحاضنة لمشروعها الطائفي، انبرت فتيات المدارس الحكومية في المحافظة لتكذّب تلك السردية الحوثية وتقول للعالم أن إب لم تكن يوماً إلاً مدرسة للتغيير ووهجاً للجمهورية ومشعلاً للثورات.
فعلى مدى سنوات الانقلاب الحوثي وسيطرته على محافظة إب بالقوة وفرض سياسية القمع والكبت، خفت صوت إب الجمهوري وبريق صدى عنفوانها الثوري، وباتت الأخبار القادمة من هناك تتعلق في مجملها بجرائم المليشيا وانتهاكاتها والفوضى الأمنية التي حولتها إلى حضيرة للموت والقتل الرخيص.
تلك الصورة التي لطالما ارتسمت في مخيلة المتابع عن إب، أعادت تصحيحها عدداً من مدارس المحافظة خلال الأسابيع الماضية وذلك بالتزامن مع احتفالات شعبنا بالأعياد الثورة 26 سبتمبر و14 أكتوبر المجيدتين، حيث شهدت تلك المدارس احتفالات وطنية رفعت صوت إب واستعادت قيمتها الوطنية بعد سنوات من المساعي الحوثية لجرها إلى مستنقع الردة الإمامية.
المدارس... مشاعل ثورة
أحيت مدارس حكومية وأهلية في محافظة إب الخاضعة بالقوة لسيطرة مليشيا الحوثي الانقلابية، ذكرى ثورتي 26 سبتمبر و14أكتوبر، باحتفالات كرنفاليه وخطابية عكست روح الثورة والجمهورية التي يتمتع بها أبناء إب رغم كل السياسيات القمعية للمليشيا الحوثية ومحاولات فرض اللون الواحد والخطاب الواحد والصوت الواحد بالقوة.
في المناسبة رفع الطالبات والطلاب العلم الوطني، ورددوا الأغاني الوطنية وصدحوا بهتافات اليمن الواحد وشعارات "بالروح بالدم نفديك يا يمن"، التي بثت في نفوس المواطنين روح تحدٍ جديدة وآمال بغدٍ مشرق ينتهي فيه عهد الظلام.
جذوة الجمهورية والثورة والتحرر التي أشعلتها مدارس المحافظة، وصلت روحها إلى مواقع التواصل وباتت حديث الناس ودندنهم، واعتبروها تمسكاً بالثوابت الوطنية.
وفي هذا السياق قال الناشط الإعلامي مختار الواصلي: "منذ ثمانية أعوام مُذ دخل الحوثيون محافظة إب وبالرغم من كل تلك المحاولات والأساليب الاستفزازية والأعمال الهمجية والابتزاز الذي مارسوه بحق أبناء المدينة، إلا أن إب بقيت شامخة شموخ الجبال متمسكة بثوابتها الوطنية ومبادئها وقيمها وأهداف ثورة ٢٦ من سبتمبر المجيد".
استنفار حوثي
احتفالات المدراس بالأعياد الوطنية، وصلت رسالتها لدى مليشيا الحوثي حتى أنها قالت عنها إنها "صاخبة" واعتبرتها بمثابة تهديد لمشروعها وأشعلت الغضب لدى قياداتها التي استنفرت أدواتها في مكتب التربية لإيقاف مديريات المدارس المحتفلة ومعلمات الأنشطة وإحالتهم للتحقيق.
وقالت مصادر تربوية إن مليشيا الحوثي قامت بتوقيف التربوية فايزة البعداني مديرة مجمع السعيد التربوي، والتربوية فاطمة حاتم مديرة مجمع حميد دراس التربوي، عن العمل، كما أخذت تعهدات من عدد من المدراء والمديرات بعدم إقامة أي احتفالات وطنية في المستقبل، وهددت مختصات أنشطة بإجراءات عقابية.
وأوضحت المصادر، أن محمد درهم الغزالي مدير مكتب التربية التابع للحوثي في المحافظة، اقتحم مجمع السعيد التربوي الذي تديره الأستاذة فائزة البعداني لتهديد المدرسات والطالبات على خلفية الاحتفال بذكرى 14 أكتوبر.
ونقلت المصادر عن معلمين القول إن الغزالي ومسلحيه وجهوا أسئلة للطالبات عمن يقف خلف تلقينهن شعارات بالروح بالدم نفديك يا يمن، كما وجهوا أسئلة لمقدمات الإذاعة المدرسية عما إذا كانت المديرة أو المدرسات يقفن خلف الإذاعات الوطنية.
وحسب المصادر فقد اعتدى "الغزالي" على مسؤولة الأنشطة الأستاذة نسيم الجراش في المدرسة وحاول انتزاع هاتفها بالقوة.
ولاقت الإجراءات الحوثية استنكاراً شعبياً واسعاً، وأعلن مئات اليمنيين على مواقع التواصل الاجتماعي تضامنهم مع المعلمات الموقوفات وأشادوا بمواقفهم البطولية في وجه الصلف الحوثي
إحلال طائفي
ردة فعل المليشيا الحوثية لم تقتصر على وقف ومعاقبة مدراء المدارس التي احتفت بالأعياد الوطنية، بل ذهبت بعيداً في تكريس مشروعها الطائفي عبر عمليات الإحلال الوظيفي لمواليها وتغيير أسماء مدارس بأسماء قيادات ومقاتلين حوثيين.
وعلم "يمن شباب نت"، من مصادر تربوية، أن مليشيا الحوثي، أقصت خلال الفترة الأخيرة العديد من مدراء المدارس واستبدلتهم بعناصر حوثية أو من الموالين لها.
ومؤخراً وبعد احتفالات المدارس بأعياد الثورة اليمنية سبتمبر واكتوبر، قام "المشرف الاجتماعي" للمليشيا الحوثي بمديرية الرضمة، المدعو علي فارع، بإقالة مدير مدرسة الشهيد "ناجي حميد" بعزلة "يحير" وتعيين أحد عناصر المليشيا خلفا له.
في ذات السياق أقدم مكتب التربية التابع لمليشيا الحوثي في المحافظة "محمد درهم الغزالي" على تغيير اسم مدرسة "كمران" بمديرية الظهار إلى إسم مدرسة "شهيد القران" ـ وهو وصفاً أطلقته المليشيا على مؤسسها الصريع "حسين بدر الدين الحوثي"، وذلك بعد أسابيع من تغيير مدير المدرسة الأستاذ عبدالجبار الليث.
كما أقدم "الغزالي" على تغيير اسم مدرسة صلاح الدين بمديرية الظهار، إلى اسم "عدي التميمي" وهو أحد عناصرها الصرعى، وسط رفض مجتمعي لاستبدال أسماء المدارس بأسماء قتلى المليشيا، ومطالبات بوضع حد للتصرفات الحوثية التي تستهدف العملية التعليمية والتي تعتبرها بأنها تعدٍ على الذاكرة الوطنية.
وفي هذا الصدد قال عضو مؤتمر الحوار الوطني، عادل عمر: "شيدوا مدارس جديدة وسميتوها مثلما تشتوا أما مدارس لها عقود من الزمن فمن الصعب تغييرها بعد أن حفرت في الذاكرة".
وأضاف في منشور على فيسبوك: "عملية التغيير للأسماء يعد مساس بالذاكرة الوطنية لأجيال تعلموا في تلك المدارس وحفرت اسمائها في ذاكرتهم".
يشار إلى أن مليشيا الحوثي سبق وأن قامت بتغيير أسماء العديد من مدارس المحافظة بأسماء قيادات حوثية وكان أبرزها المجمع التربوي الحديث الذي شُيد في حرم جامعة إب وخصص للمتفوقين، وأطلقت عليه المليشيا اسم القيادي الحوثي الصريع "صالح الصماد".
نقلا عن يمن شباب