سيطرت ميليشيات الحوثي، على صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014، ووضعت نصب أعينها الاستيلاء على مخططات المدن السكنية الخاصة بمنتسبي الجيش والأمن في المرتفعات المحيطة بالمدينة، بالتوازي مع إعادة تشكيل التركيبة الديموغرافية للمدينة عبر خلق طبقة سلالية من الأثرياء لضمان التحكم في صنعاء..
وسارعت الميليشيات إلى تشكيل ما تسمى «اللجنة العسكرية» قبل تشكيل لجنة أخرى لاستكمال المهمة تحت مسمى «المنظومة العدلية».
وتولت هاتان اللجنتان، مصادرة أراضي آلاف الأسر الفقيرة، بحسب موظفين في قطاعات عامة في صنعاء.
اثنان من العاملين سابقاً في مصلحة السجل العقاري بصنعاء ذكرا لـ«الشرق الأوسط» أن ما تسمى اللجنة العسكرية؛ التي يشرف عليها القيادي الحوثي المعروف عبد الله الرزامي، صادرت، ومن دون وجه حق، أراضي آلاف الأسر الفقيرة والمعدمة في صنعاء فقط دون بقية المحافظات، بذريعة أنها أملاك وزارة الدفاع؛ «بل وصادرت منازل بحجة أنها تطل على مناطق عسكرية أو أنها بنيت في مناطق عسكرية».
ووفق المصدرين، قامت «ميليشيات الحوثي وعبر ما تسمى (هيئة الأوقاف) بالاستيلاء بقوة السلاح على أراضي الآلاف من الناس بزعم أنها أراض وقف؛ خصوصاً في صنعاء وإب».
حبس كتاب عقود البيع والشراء
وتتهم أوساط محلية، محمد علي الحوثي بحبس جميع كُتاب عقود البيع والشراء قبل عامين وفي مختلف المناطق التي يسيطرون عليها.
ويعتقد موظفو السجل العقاري أن هدف محمد علي الحوثي، من حبسه كتاب العقود هو منعهم من تحرير أي مبيعات من المرتفعات والمناطق المجاورة، وهي الأراضي المعروفة باسم «المراهق»، بحجة ملكيتها للدولة وليس للمواطنين أي ملك فيها.
وضع المزيد من العراقيل
ووضعت الميليشيات الحوثية حينها - بحسب المصدرين - مزيداً من العراقيل عند تعميد وثائق البيع والشراء في السجل العقاري بحيث يستحيل تعميد أي منها إلا بمبالغ طائلة، فنتج عن ذلك توقف عملية بيع وشراء الأراضي والبيوت نهائياً، وهو القطاع الحيوي الذي ظل يعمل في ظل الحرب وتعتمد عليه عشرات الآلاف من الأسر اليمنية التي باتت تواجه الفقر.
«اللجنة العسكرية» الحوثية صادرت كل أراضي مخططات المدن السكنية في مناطق العشاش والصباحة وشارع الخمسين بالكامل، كما وسعت نطاق المصادرة ليشمل كل المرتفعات المحيطة بالعاصمة صنعاء.
ومع ذلك؛ أفاد سكان بأن تجاراً شركاء لقيادات في الميليشيات منحوا تراخيص بناء في أكثر من موقع؛ بينها 7 مبان بالقرب من قرية حصن عطان، التي تمت مصادرتها من سكانها بحجة أنها تطل وتجاور مواقع عسكرية تضم ألوية صواريخ ومخازن أسلحة، والأمر كذلك في شارع الخمسين والمرتفعات المطلة على حي مذبح وشارع الستين الغربي.
مصادرة أملاك الدولة
الإجراءات التي اتبعتها ميليشيات الحوثي في صنعاء، شملت مصادرة أملاك الدولة ووضع اليد على المدن والجمعيات السكنية، كمدن موظفي رئاسة الجمهورية وسعوان والمناطق الجديدة في شارع الخمسين وعصر وشارع «100» وغيرها كثير، مع التوجيهات بمنع البيع والشراء والبناء والاستحداث، كما شملت أيضاً شقق الحي الليبي وغيرها.
ويقول عبد الله عبد الرحمن: «تخيل أن يدق عليك باب بيتك موظف حوثي يطلب منك إبراز وثيقة الملكية؛ حيث يقوم مندوبوهم بالذهاب إلى المباني ويطلبون من السكان إبراز وثائق الملكية، بحجة أن بعض الشقق مملوكة لأحد المعارضين وقد غادر صنعاء وقام ببيعها لآخر لتجنب مصادرتها».
وفي الحديدة اتخذت الميليشيات الإجراءات نفسها؛ حيث تم منع البيع والشراء والبناء في المدن السكنية المعلن عنها سابقاً في خط جيزان وغيره، وامتد المنع إلى مناطق سيطرة الميليشيات في شرق مدينة تعز، حيث إن معظم وثائق الأراضي هناك لدى محرري العقود الشرعية، كما هو معتاد في أرياف اليمن أو لدى شيوخ المناطق الموجودين خارج البلاد، وبهدف مصادرة تلك الأراضي بحجة عدم امتلاك وثائق ملكية.
توسيع أبواب الجبايات
أحد السكان في صنعاء واسمه «علي» خاطب زعيم الميليشيات عبد الملك الحوثي بقوله: «أصحابك لم يتركوا باباً صغيراً من أبواب الجبايات إلا ووسعوه؛ من زكاة ووقف وركاز وضريبة وجمارك... وغيرها، حتى إن الذي ما زال لديه عمل تجاري فإن ما يحصل عليه يذهب إلى جيوبهم».
ووفق سياسيون في صنعاء؛ فإنه، وبينما تمتلئ شوارع المدينة بالمتسولين، يتوسع قادة ميليشيات الحوثي في بناء المراكز التجارية الضخمة ويركبون السيارات الفارهة، كما تظهر المباني الكبيرة في أطراف العاصمة بصورة تناقض واقع حال الغالبية العظمى من سكانها.
طبقة فاحشة الثراء
ويعتقد السياسيون أن ذلك جزء من مخطط الميليشيات لإيجاد طبقة فاحشة الثراء وتمتلك الأموال والأراضي وهي القادرة بعد ذلك على التحكم في الوضع الاقتصادي وأيضاً في المشهد السياسي؛ «لأن الميليشيات تدرك تماماً أنها غير مقبولة وأنها تفرض سيطرتها بالقوة، ولهذا تراكم الأموال لتكون وسيلتها في المعركة السياسية عقب انتهاء الحرب».