هكذا أصبح النظام الصحي في اليمن بعد إنقلاب مليشيا الحوثي والقضاء على مؤسسات الدولة
الاربعاء 11 مايو 2022 الساعة 13:44
المنارة نت / العربي الجديد

بالنسبة إلى سكان المناطق النائية في اليمن، يتطلب التماس الرعاية الصحية في حالات الطوارئ خوض رحلة محفوفة بالمخاطر. في هذا الإطار، تتحدث المستشارة الطبية آني فيورد، العاملة في منظمة أطباء بلا حدود، عن قصة عائلة خاضت هذه الرحلة. 

تقول: "عند الساعة الثامنة من يوم 31 مارس/ آذار 2022، وصلتُ إلى مكتب منظمة أطباء بلا حدود التي تقع في منطقة عبس في الحجة (الشمال الغربي من العاصمة صنعاء). لحظة وصولي، نادتني المشرفة على القابلات القانونيات في المستشفى جوديث لتقول لي إن أماً قد توفيت في وحدة الأمومة. وفي اللحظة نفسها، دخل مدير الأنشطة التمريضية ليبلغني بالنبأ المحزن نفسه. 

سارعتُ إلى وحدة الأمومة وعيناي تملؤهما الدموع. كانت امرأة في مقتبل العمر تغطيها ملاءة كبيرة وإلى جانبها كيس أسود مخصص لنقل المتوفاة. ومن تحت الغطاء، بدا وجهها الحسن مرتاحاً، مع العلم أن رضيعها كان قد توفي وهو لا يزال في رحمها. وعندما وجدتُ شقيق زوجها الذي أحضرها إلى المستشفى، أخبرني عن الرحلة الصعبة التي خاضوها". 
 
هدى

كانت هدى حاملاً في شهرها التاسع بطفلها الأول. وبدأ المخاض في منزلها قبل يوم من وصولها. وعندما أوشكت على الإنجاب، بدأت تعاني من تشنجات خلال الولادة. رافقها شقيق زوجها إلى عيادة خاصة صغيرة في مديرية وشحة (إحدى مديريات محافظة حجة في اليمن) التي تبعد عن عبس حوالي سبع ساعات، فأبلغه موظفو العيادة بعدم قدرتهم على الاستجابة، وطلبوا منه التوجه إلى مستشفى عبس العام في محافظة حجة الذي تدعمه "أطباء بلا حدود".

استغرق إيجاد سيارة تنقلهما إلى المستشفى ساعات عدة. ولم يعثرا على سيارة حتى الساعة التاسعة مساءً. وبعد حوالي ساعة من انطلاقهما، أجرت هدى آخر اتصال لها مع عائلتها ثم بدأت تعاني من تشنجات متتالية. وتعطلت السيارة بينما كانت هدى تعاني من تشنجات متتالية. حاول السائق جاهداً إصلاح السيارة ولكن من دون أي جدوى. فاستغرق العثور على سيارة أخرى خمس ساعات إضافية.

وفي الساعة السابعة صباحاً، وصلا أخيراً إلى المستشفى بعدما دفعوا 150 ألف ريال يمني (نحو 250 دولاراً) هي كلفة هذه الرحلة. في هذا الإطار، يفيد الفريق الطبي في العيادة بأنه لم يجد أثراً لدقات قلب للجنين عند وصول الأم إلى وحدة الولادة، علماً أنها كانت فاقدة الوعي آنذاك. وبعد فترة وجيزة، أصيبت هدى بصدمة قلبية. حاول الطاقم إنعاشها لكن محاولته باءت بالفشل.

وعند الساعة السابعة والدقيقة العشرين، أُعلن عن وفاة هدى. ويعود سبب الوفاة على الأغلب إلى إصابتها بتسمم الحمل، الذي يشكل أحد الأسباب الرئيسية لوفاة الأمهات والرضع في البلدان منخفضة الموارد. وعليه، فإن الاكتشاف المبكر لتسمم الحمل يحظى بأهمية بالغة أثناء تلقي رعاية ما قبل الولادة، فمن شأنه أن يمنع الوفيات إذا ما اقترن بالإحالة إلى مستشفى أو وحدة صحية يعمل فيها طاقم طبي متمرس في الوقت المناسب. وتقول: "بعد سماعي القصة التي أخبرني بها شقيق زوجها، لم يكن بوسعي إلا أن أتساءل عن عدد الأشخاص الذين يواجهون خطر الموت نتيجة انهيار نظام الرعاية الصحية في اليمن". 

 

مرافق خارج الخدمة

 

كان لسبع سنوات من النزاع تأثير شديد على النظام الصحي في اليمن. توقفت مرافق صحية حكومية كثيرة عن العمل نتيجة عوامل عديدة، كالهجمات العنيفة ومحدودية الموارد المالية والشح في التجهيزات والإمدادات وعدم انتظام دفع الرواتب للطاقم الطبي.

 

في هذا السياق، يضطر الأشخاص الأكثر حاجة الذين يعيشون في مناطق غير مستقرة ونائية، على غرار هدى، إلى خوض رحلات طويلة ومحفوفة بالمخاطر ودفع مبالغ طائلة من المال للوصول إلى مراكز رعاية صحية تعمل بكامل طاقتها.

 

وإذا ما توفرت خدمات الرعاية الصحية في المرافق الخاصة، فغالباً ما تكون باهظة الثمن ولا يستطيع عدد كبير من السكان تحمل تكاليفها، ما يزيد من احتمال تعرّض الآلاف من السكان إلى الإصابة بمضاعفات ناتجة عن الأمراض أو حتى إلى الموت. 

 

لم تكن هدى أول شخص تؤول به الأحوال إلى ما آلت عليه، ولن تكون الأخيرة على أغلب تقدير. غالباً ما يستقبل فريق "أطباء بلا حدود" أشخاصاً يعانون من حالات حرجة. ويعود ذلك بصورة أساسية إلى تعذر الوصول إلى رعاية صحية أولية لازمة في الوقت المناسب، وهو أمر يظهر جلياً في الحالات الحرجة التي يعاني منها المرضى لدى وصولهم إلى مرافقنا، علماً أنه كان يمكن تفادي بعض المضاعفات.

 

قصة بنهاية مختلفة

 

بعد فترة وجيزة من الإعلان عن وفاة هدى، أُخذت امرأة أخرى إلى وحدة الأمومة، وأنجبت صبياً بصحة جيدة، علماً أنها كانت مصابة بتسمم الحمل. والجدير بالذكر أن المرأة وصلت وهي فاقدة الوعي. وبعدما أنجبت، وُضِع ابنها في حضنها. 

 

حالف الحظ هذه الأم لأنها تعيش على مقربة من مستشفى عبس. وعندما ساءت حالتها، تمكنت عائلتها من نقلها إلى وحدة الأمومة في الوقت المناسب. وما إن وصلت، حتى أسرع الفريق للاستجابة وقدم لها ما تحتاج إليه من عناية. ولم يمضِ وقت طويل قبل أن تفتح الأم عينيها. وفي النهار نفسه، تمكنت من الجلوس في سريرها والتكلم وإرضاع طفلها. 

 

 وخلال هذه الفترة، ارتفعت قدرة المستشفى الاستيعابية تدريجياً من 30 سريراً إلى 288 سريراً. 

 

لا تعلم المنظمة عدد النساء والرجال والأطفال الذين ستُهدد حياتهم بسبب أزمة الوقود أو تعذر الحصول على خدمات الرعاية الصحية الأولية، أو عدم توفر مستوى رعاية عالية الجودة في المستشفيات. لكنها تعرف أنه من خلال تقديمها خدمات الرعاية الصحية تساهم في إنقاذ حياة الكثير من الأشخاص. 

 

العربي الجديد

 

متعلقات