تجدد التصعيد بين المغرب والجزائر على خلفية مقتل مواطنين موريتانيين قرب حدودهما مع الصحراء الغربية، الأمر الذي اعتبرته الجزائر "عملية اغتيال موجهة باستعمال أسلحة حربية متطورة من قبل المملكة المغربية"، فيما لم يصدر عن المغرب أي تعليق حول الحادث. ويرى مراقبون أن التطورات الأخيرة أججت الصراع بين البلدين وأعادت الحديث عن سيناريو نشوب حرب في المنطقة، خاصة عقب قرار المغرب بداية السنة الجارية إنشاء منطقة عسكرية جديدة على حدوده الشرقية مع الجزائر، الأمر الذي يعتبر تحولا غير مسبوق في استراتيجيته الأمنية.
على مدى ثلاثين عامًا، ساهم نزاع الصحراء الغربية إلى حد كبير في تعميق هوة الخلاف بين المغرب - الذي يطالب بالسيادة على الإقليم - والجزائر – التي تدعم الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب "بوليساريو" المطالبة باستقلال المستعمرة الإسبانية السابقة عن المملكة. وبعد أن كان الخلاف بين الرباط والجزائر محصورا في حرب دبلوماسية من خلال محاولات التأثير في قرارات الدول حول النزاع وفي المحافل والمنظمات الدولية وعبر جماعات الضغط، اتخذ في الآونة الأخيرة أشكالا أكثر حدة وبدا أنه يسلك مسارا موسوما بالتهديد من كلا الجانبين. في سياق هذا التوتر المتصاعد بين البلدين، اتخذت الجزائر قرارا بإنهاء الوضع الذي كان قائما مع المغرب، بدءا بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع المملكة في نهاية آب / أغسطس 2021، وهو ما يرجح مراقبون أنه راجع بدرجة أولى إلى إعادة المغرب إحياء علاقاته مع إسرائيل وما تلا ذلك من تصريحات أغضبت الجزائر واعتبرتها تهديدا مباشرها لأمنها، فمنذ إعلان الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل، "الذي تم مقابل اعتراف أمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية - التي لم تنفها أو تؤكدها إدارة بايدن إلى اليوم" - تشعر الجزائر بقلق كبير مما تصفه "بالعمليات الخارجية" التي تستهدفها والهادفة وفق تعبير الدولة إلى "زعزعة استقرارها". اتهامات بالقيام بممارسات عدائية آخر تلك العمليات التي أججت الصراع بين البلدين وأعادت الحديث من جديد عن سيناريو نشوب حرب في المنطقة، إعلان نواكشوط الأربعاء 13 أبريل/ نيسان الجاري، مقتل مواطنين موريتانيين في منطقة تقع على حدود بلادهما مع الصحراء الغربية، الأمر الذي اعتبرته الجزائر "عملية اغتيال موجهة باستعمال أسلحة حربية متطورة من قبل المملكة المغربية خارج حدودها المعترف بها دولياً، ضدّ مدنيين أبرياء رعايا ثلاث دول في المنطقة"، هي الجزائر وموريتانيا وجبهة "بوليساريو" التي تعترف بها الجزائر كدولة. ومضت الجزائر في اتهامها المغرب معتبرة أن: "هذه الممارسات العدائية والمتكررة تنطوي على مواصفات إرهاب دولة فضلاً عن استيفائها لجميع خصائص عمليات الإعدام خارج نطاق القانون والقضاء، تعرض مرتكبيها للمساءلة أمام الأجهزة المختصة التابعة لمنظومة الأمم المتحدة". محذرة في الآن ذاته من أن "تعرّض المنطقة برمتها إلى تطورات بالغة الخطورة". من جهة أخرى، قال وزير التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي الموريتاني، محمد ماء العينين ولد أييه، خلال مؤتمر صحفي، إن "الحادثة وقعت خارج ترابنا الوطني"، فيما لم يصدر عن المغرب أو عن بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية "مينورسو" أي رد رسمي حولها. ويرى مراقبون في تجدد تحذيرات الطرف الجزائري، رسائل جدية لاستعداد جيشها للخيار العسكري في أي لحظة. في هذا السياق، قال أحمد عظيمي، الخبير الجزائري في الشؤون العسكرية، "لفرانس24": إن إمكانية نشوب حرب مرتبطة بمدى عزم المغرب على ذلك، إذ قال إن "تحالفه مع إسرائيل عسكريا قد يشجعه على الإقدام على خوض هذه المغامرة"، مضيفا أن "أي حرب ممكنة ستكون داخل الأراضي المغربية" وفق تعبير المتحدث. في المقابل، استدرك عظيمي مفسرا أنه "ليس من مصلحة الدول الأوروبية التي لديها مصالح في المنطقة، خاصة في الظرفية الحالية التي تشهد حربا في أوكرانيا، مما جعل الحاجة إلى الغاز والنفط الجزائريين ماسة أكثر من أي وقت مضى". من جانبه، اعتبر عبد الرحمان مكاوي، المستشار المغربي بالمركز الفرنسي للدراسات والاستخبارات أن "الجيش الجزائري في حالة تأهب، لكن، لابد له من حاضنة شعبية لاتخاذ قرار خوض الحرب، خاصة وأن الشعب الجزائري ليس متحمسا لدخول بلاده حاليا في أي معركة عسكرية، بقدر ما هو مهتم بإيجاد حلول لمشاكله الداخلية". وذكر مكاوي أيضا في حديثه لـ "فرانس24"، أن أعضاء مجلس الأمن "لا يعتبرون النزاع بين المغرب والجزائر أولوية، في الظروف الحالية على الأقل، وهذا ما يفسر استمرار دعوتهم كل الأطراف إلى ضبط النفس واستبعاد الخيار العسكري". من جهة أخرى، أوضح المتحدث أن تطور القوة العسكرية المغربية عامل مهم قد لا يجعل إقدام الطرف الآخر على الدخول في أي حرب بالسهولة التي يظنها كثيرون، فمغرب اليوم ليس هو مغرب السبعينيات، ذلك أن المملكة اكتسبت خبرة كبيرة في حروب الرمال، إضافة إلى اقتنائها أسلحة متطورة وتنوع تحالفاتها واعتمادها على التكنولوجيا العسكرية الحديثة، الأمر الذي قد يقلب الموازين ميدانيا". إسرائيل... الحليف الجديد منذ إعلان المغرب استئناف علاقته مع إسرائيل، عبرت الجزائر عن موقفها الرافض بشدة لهذه الخطوة، معتبرة أن ذلك يعد تهديدا مباشرا لها، وحذرت على لسان رئيس وزرائها السابق عبد العزيز جراد، مما وصفته "عمليات أجنبية" تهدف إلى زعزعة الاستقرار، كناية عن إسرائيل. وأشار جراد حينها إلى "وجود تهديدات على حدود البلاد التي "وصل إليها الكيان الصهيوني". وفق تعبيره. يقول عظيمي في هذا الإطار إن ما وصفه "باستنجاد المغرب بعدو الأمة العربية لتهديد الجزائر، شكل نقطة حسم فاقمت الخلاف، إضافة إلى شن الأجهزة المغربية حربا إعلامية مستمرة ضد الجزائر وسعيها لحرمان التجار الجزائريين من بلوغ السوق الموريتانية عبر تضييق الخناق على المناطق الحدودية"، وهو ما اعتبره المتحدث "دفعا للأمور في اتجاه عواقب قد تكون وخيمة". من جهته، تحدث عبد الرحمان مكاوي، "لفرانس24" عن تأثير استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية على ميزان قوى البلدين، فذكر "أن التواجد الإسرائيلي في المنطقة باعتباره ذا تأثير استراتيجي من خلال استئناف العلاقة مع المغرب لا شك سيلعب دورا في ترجيح ميزان القوى، خاصة عندما يتعلق الأمر بكل ما له علاقة بالمعلومات الاستخباراتية والتمكن من المعطيات الميدانية وتوظيف التقنية العسكرية". طبول الحرب أولى شرارات التصعيد المستمر إلى اليوم صدام بين وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، وممثل المغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال. إذ اتهم الأول الثاني بتعميم مذكرة دبلوماسية ورد فيها أن "شعب القبائل الشجاع يستحق أكثر من أي شعب آخر التمتع الكامل بحقه في تقرير المصير". بالنسبة للجزائر التي صنفت الحركة المطالبة بالاستقلال ضمن المنظمات "الإرهابية" والتي تعتبر وحدة البلاد بالنسبة لها خطا أحمر لا يمكن تجاوزه، فمذكرة المغرب تعتبر "عملا عدائيا". احتد الخلاف بين الجارين عقب اندلاع فضيحة بيغاسوس: إذ بدا وفق خلاصات التحقيق أن الرباط وظفت برنامج التجسس الإسرائيلي ضد شخصيات ومصالح جزائرية، وازداد تأججا بعد اتهام الجزائر المغرب بالتورط في الحرائق المميتة التي اجتاحت شمال البلاد صيف سنة 2021. وأدى مقتل ثلاثة جزائريين عند الحدود بين الصحراء الغربية وموريتانيا في قصف حملت الجزائرُ المغربَ مسؤوليته رغم نفيه ذلك، إلى مفاقمة التوترات أكثر. إذ أرسلت الجزائر عقب ذلك، تنبيها إلى الأمم المتحدة وإلى الاتحاد الأفريقي معربة عن "استعدادها وقدرتها على تحمل مسؤولياتها في حماية مواطنيها". من مظاهر التصعيد الأولى إعلان نبأ قطع الجزائر العلاقات الدبلوماسية مع المملكة، وإعلانها عدم تجديد عقد تشغيل خط أنابيب الغاز المغاربي- الأوروبي الذي تصدر عبره الجزائر الغاز إلى إسبانيا والمار من المغرب. ثم إغلاق الجزائر مجالَها الجوي في سبتمبر 2021، وكذلك قسما من الطريق الوطني الذي يربط 900 كيلومتر من الشمال إلى الجنوب بمدينة بوعرفة الواقعة شرق المملكة المغربية، يعد نتاجا أيضا لهذا التصعيد بين الطرفين. هوس التسلح من أهم مظاهر الشكل الجديد الذي اتخذه الخلاف بين المغرب والجزائر، إذ ارتفعت واردات كلا الطرفين من الأسلحة بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، وذلك رغبة من كل جانب في ترجيح كفة ميزان القوة لصالحه، ولعل الأرقام الواردة في هذا الباب توضح الأمر بشكل جلي، فحسب تقرير موقع "غلوبال فاير باور" الخاص بـعام 2022، يحتل الجيش الجزائري المرتبة الثالث بين أقوى الجيوش العربية، فيما يحتل الجيش المغربي المرتبة السابعة عربيا في نفس التصنيف. منطقة عسكرية على الحدود مع الجزائر في ظل تصاعد التوتر بين البلدين، قرر المغرب بداية السنة الجارية إنشاء منطقة عسكرية جديدة على حدوده الشرقية مع الجزائر، مما يعتبر تحولا غير مسبوق في استراتيجيته الأمنية على تلك الحدود. وجرى تعيين الجنرال محمد مقداد قائدا للمنطقة الشرقية، وهو المسؤول العسكري المعروف في أوساط الجيش بخوضه معارك في الصحراء الغربية، فضلا عن أنه كان ضابطا ساميا في المنطقة الجنوبية. هذا الأمر يرى عظيمي أنه يدخل في "سياق السباق المحموم نحو الاستعداد لأي سيناريو عسكري محتمل"، مضيفا أن "جيش الجزائر يتميز بالقوة والانضباط ويعرف كيف يدير المعارك العسكرية".