بندقية في صنعاء تكشف المستور : شبكات إجرامية تستخدمها إيران لتهريب الأسلحة للقرن الإفريقي وللحوثيين في اليمن
الاربعاء 19 أغسطس 2020 الساعة 08:38
المنارة نت .متابعات
كشفت المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية عن أدلة تشير إلى أن الأسلحة الإيرانية التي زودت بها طهران المتمردين الحوثيين في اليمن يتم تهريبها من قبل شبكات إجرامية إلى القرن الأفريقي.
وفي تحقيق نشرته «GI-TOC» - ترجمة "يمن شباب نت" -، أثبتت كيف تحولت اليمن إلى مصدر لتهريب السلاح إلى القرن الأفريقي عبر عصابات صغيرة منظمة، وتتبع الباحثون في التحقيق عن سلسلة ارقام الأسلحة التي حصلوا على صورها وتباع في أسواق اليمن.
في 24 يونيو 2020، استولت قوات التحالف بقيادة السعودية على مركب شراعي يحمل أسلحة إيرانية للمتمردين الحوثيين في اليمن، تضمنت الشحنة المضبوطة ما يقرب من 1300 بندقية هجومية، فضلاً عن قناصات وقاذفات صواريخ وقاذفات صواريخ موجهة مضادة للدبابات. كانت عملية الاستيلاء في يونيو/ حزيران هي الأحدث ضمن عدد من عمليات الاعتراض البحري المماثلة التي تعود إلى أواخر عام 2015.
توفر مثل هذه المضبوطات أدلة دامغة على النقل غير المشروع للأسلحة من إيران إلى اليمن، ومع ذلك، ظهرت أدلة تشير إلى أن بعض هذه الأسلحة الإيرانية قد يتم تهريبها لاحقًا من قبل شبكات إجرامية إلى القرن الأفريقي من اليمن (أو ربما يتم تحويل مسارها أثناء توجهها إلى اليمن).
حيث أشارت أبحاث المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود «GI-TOC» إلى أنه قد تكون هناك علاقة منطقية بين إمدادات الأسلحة الإيرانية للحوثيين والأسلحة المهربة إلى الصومال.
في أواخر يونيو 2020، اتصل الباحثون في المبادرة بتاجر أسلحة مقره في صنعاء، وسنشير إليه بالاسم المستعار «جابر الهادي»، وعند الاتصال بالهادي، انتحلت المبادرة شخصية مواطن صومالي يتحدث العربية ويعيش في نيروبي واسمه المستعار "جاما"، أخبر جاما تاجر الاسلحة الهادي أنه كان يحاول التوسط في صفقة أسلحة نيابة عن عميل (وهمي) من جنوب السودان.
بين 27 يونيو و5 يوليو، تبادل الهادي وجاما عشرات الرسائل الصوتية المسجلة على منصة واتساب، خلال هذه التبادلات، شارك الهادي معلومات مفصلة حول عمليته، بما في ذلك مخزونه الحالي من الأسلحة وشركائه والوسائل المفضلة لتلقي التحويلات المالية، كما قدم عدة صور لأسلحة محتجزة في مخزنه في صنعاء، بما في ذلك صورة تظهر الرقم التسلسلي والعلامات ذات الصلة لبندقية صينية من النوع 56-1 صنعت مؤخرًا.
بناءً على هذا الرقم التسلسلي، قررنا لاحقًا أن البندقية تشترك في الخصائص مع الأسلحة التي ورد أن إيران قدمتها إلى جماعة الحوثيين. علاوة على ذلك، تم توثيق بندقية من النوع 56-1 مع رقم تسلسلي مشابه للغاية لأخرى في وسط الصومال في أبريل 2019.
يشير بحث المبادرة «GI-TOC» مبدئيًا إلى وجود شبكات تهريب أسلحة غير مشروعة تنتهي عبرها الأسلحة الإيرانية الموجهة لليمن في الصومال، وربما خارجها.
تاريخ تجارة السلاح بين اليمن والصومال
يخضع الصومال لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة منذ عام 1992، مما يجعل جميع واردات المعدات العسكرية إلى البلاد (خارج استثناءات مجلس الأمن المحددة) انتهاكات للقانون الدولي. منذ ذلك الوقت، نظر مستوردو الأسلحة الصوماليون إلى اليمن كمصدر رئيسي للأسلحة غير المشروعة، مستفيدين من الروابط الثقافية والتجارية التي تعود إلى قرون بين البلدين، فضلاً عن توافر الأسلحة الصغيرة والذخيرة على نطاق واسع في اليمن، (حتى قبل اندلاع الحرب الأهلية الحالية في عام 2015، كان لليمن ثاني أكبر نسبة ملكية للفرد من الأسلحة، بعد الولايات المتحدة).
تعتبر بونتلاند، وهي منطقة تتمتع بحكم شبه ذاتي تضم معظم الركن الشمالي الشرقي من الصومال، نقطة الدخول الرئيسية للأسلحة غير المشروعة إلى البلاد، وتكون واردات الأسلحة غير المشروعة إلى بونتلاند عادةً من أسلحة خفيفة مثل المسدسات وبنادق من طراز AK وقاذفات القنابل الصاروخية والمدافع الرشاشة من الطراز السوفيتي، إلى جانب الذخيرة الخاصة بكل منها.
غالبا ما يتخذ تهريب الأسلحة إلى بونتلاند أحد شكلين، تتمثل الطريقة الأولى والأكثر شيوعًا في نقل الشحنات على نطاق صغير بواسطة زورق سريع عبر خليج عدن من الساحل اليمني، وغالبًا من المناطق المجاورة للبلدات الساحلية المكلا وبئر على وبلحاف والشحر.
أما الطريقة الثانية فهي أكثر تعقيدًا وتعتمد على استخدام وسائل وسيطة لتنفيذ وصول الأسلحة بين إيران واليمن، حيث تنقل المراكب الشراعية التي تبحر في المحيط شحنات أسلحة أكبر - غالبًا بما في ذلك صواريخ أرض جو وأسلحة متطورة أخرى - من ساحل إيران في مكران.
وقد أسفرت مصادرة العديد من المراكب الشراعية الإيرانية من قبل القوات البحرية الدولية منذ أواخر عام 2015 عن أدلة تشير إلى أنه قد يكون من الشائع نقل الأسلحة الخفيفة والذخيرة إلى الصومال من قبل شبكات إجرامية تستخدم سفنًا أصغر قبل وصول المراكب الشراعية إلى اليمن.
تحليل لصفقة أسلحة فاشلة
خلال إجراء بحث لدراسة قادمة حول تجارة الأسلحة بين اليمن والصومال، عثر الباحثون على معلومات اتصال لجابر الهادي، تاجر أسلحة مقيم في صنعاء، وباستخدام الهوية الوهمية "جاما"، اتصل الباحثون في أواخر يونيو بالهادي بهدف فهم أفضل لأساليب تجارة الأسلحة بين اليمن والصومال. بعد مقدمات موجزة، انتقل الهادي مباشرة إلى العمل، بدأ في إبلاغ جاما بأنواع الأسلحة التي بحوزته وطلب من جاما تقديم تفاصيل عن متطلبات عميل جاما (الوهمي) من جنوب السودان.
رداً على ذلك، أرسل جاما للهادي قائمة بالأسلحة الصغيرة والذخيرة التي يفترض أن موكله في جنوب السودان طلبها. تمت معايرة الشحنة المطلوبة - التي تزيد قيمتها عن 5 ملايين دولار -، لاختبار ما إذا كان تاجر أسلحة يمني قادرًا على توسيع نطاق عمليته لتلبية الطلب الأعلى من المعتاد، في غضون يومين، رد الهادي بقائمة أسعار مختلف البنادق الهجومية والرشاشات الخفيفة والقذائف الصاروخية والذخيرة الخفيفة.
يشير بحث المبادرة «GI-TOC» إلى أن الأرقام التي تحدث عنها الهادي كانت أعلى من أسعار الجملة النموذجية في اليمن، على الرغم من إصراره على استعداده للتفاوض.
وقد رد التاجر الهادي قائلا "مرحباً شيخ جاما، أسلحة من النوع الإيطالي أو الإسرائيلي، لدي كل ذلك.. بما أنك تواصلت معي، فهذا يعني أنه يمكنك الوثوق بي، نثق بالله ونعمل معا، اكتب لي ما هو مطلوب، الأنواع والكميات في قائمة وسأوافيك بالأسعار في غضون يومين، لذلك إذا كنت تثق بي كشخص وتتعامل معي، أخبرني فقط الأنواع المختلفة التي تريدها".
شبكة من موردي الاسلحة على نطاق صغير
أخبر التاجر الهادي جامع أنه لا يملك شخصيًا القدرة على تنفيذ الأمر وسيتعين عليه الحصول على المواد من تجار الأسلحة المختلفين الموجودين في جميع أنحاء اليمن:
"انظر، كميات المعدات غير متوفرة، لكن يمكننا جمعها. لذا، إذا كنت جادًا، والآن لديك الأسعار، جهز نفسك، وأرسل لي وديعة غدًا بعد الظهر... سأرسل لك اسم المستلم وسأخبرك بخصوص الحوالة التي سنستخدمها في الإرسال، حتى نبدأ بالذهاب إلى المحافظات والمناطق والجمع من التجار، مع إعطاء كل منهم بعض الإيداع المالي، حتى نحصل على جميع الكميات، اتصل بي وسأخبرك الى أين سيتم تحويل الأموال".
كما قال الهادي لجاما إن الطلب على الأسلحة والذخيرة مرتفع في اليمن نفسها بحيث أنه إذا تردد في إتمام الطلب، فلن يكون من الممكن الحصول على الكميات المطلوبة، وقال لجاما: "اليمن بحاجة إلى أسلحة أكثر من أي دولة أخرى في العالم"، "هذه الأسلحة والذخيرة هي وجبة الإفطار والغداء والعشاء لدينا، نحن نستهلكها أكثر من الطعام".
في حين أن هذا التأكيد ربما كان تكتيكًا تفاوضيًا من جانب الهادي، فمن المحتمل أيضًا أن الحرب الأهلية المستمرة قد قللت من فائض توريد الأسلحة في اليمن، وفي حال كان الأمر كذلك، فإن تأكيد الهادي قد يتناقض مع الحجة السائدة في بعض الأوساط بأن الصراع أدى إلى وفرة في الأسلحة المتاحة للتصدير.
بنادق من النوع 56-1: ارتباط مبدئي بإيران
كما قدم الهادي لجاما عدة صور فوتوغرافية لمخزونه المتاح، بما في ذلك صور من مخزنه لعدة بنادق من طراز AK ذات خصائص تتفق مع Type 56-1s الصينية الصنع.
الرقم التسلسلي لإحدى بنادق الهادي - 62138948 - سمح لباحثي «GI-TOC» بالكشف عن علاقة جلية بين اليمن والصومال، في أبريل 2019، تم توثيق بندقية من النوع 56-1 برقم تسلسلي يبدأ أيضًا بالتسلسل "621" بحوزة تاجر أسلحة في مدينة غالكايو بوسط الصومال، وفقًا للمعلومات التي قدمها سرا إلى «GI-TOC».
وتشير الأرقام الثلاثة المتطابقة من الأرقام التسلسلية بقوة إلى أن البندقيتين كانتا تنتمي إلى نفس الشحنة غير المشروعة التي منشؤها اليمن.
قدمت مصادرة صغيرة للأسلحة المهربة في مدينة بوساسو الساحلية من قبل سلطات بونتلاند، في أبريل 2019 أيضًا، دليلًا آخر على مصدر البنادق تُظهر صورة المصادرة، التي اطلع عليها باحثو «GI-TOC»، مجموعة من 19 بندقية تضمنت أسلحة يبدو أنها من النوع 56-1s.
لذلك من المعقول التكهن بأن كمية معينة من بنادق من النوع 56-1 وصلت إلى الصومال من اليمن في أبريل 2019 ربما دخلت البلاد في بوساسو قبل أن يتم تداولها منذ ذلك الحين فصاعدًا، لتصل على الأقل بقدر الى تاجر أسلحة في غالكايو.
الطريقة التي تفسر كيفية وصول هذه البنادق إلى اليمن في المقام الأول هي أيضًا مفتوحة للتكهنات، ولكن هناك مؤشرات قوية على أنها ربما كانت جزءًا من شحنات أسلحة من إيران مخصصة للمتمردين الحوثيين، وغالبًا ما يتم توثيق البنادق من النوع 56-1 التي تحمل العلامات CN-17 وCN-18 - مثل تلك الموجودة في الصورة التي قدمها الهادي - في اليمن ويعتقد أنها مصدرها إيران.
في الواقع، وثق فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة المعني باليمن، - وهو هيئة تابعة لمجلس الأمن مكلف بمراقبة حظر الأسلحة المفروض على البلاد -، أن بنادق مماثلة من النوع 56-1 قد تم الاستيلاء عليها من مركب شراعي اعترضته السفينة يو إس إس جيسون دنهام في أغسطس 2018.
النوع 56 – 1 عندما تم ضبط بندقية بأرقام مسلسل تبدأ بالتسلسل "621" على متن مركب شراعي متجه إلى اليمن اعترضته قوات التحالف بقيادة السعودية في خليج عدن في 17 أبريل 2020، وفقًا لمقابلة مع مصدر سري عبر رسالة نصية بتاريخ 14 يوليو 2020.
توفر البندقية من النوع 56-1 الموجودة في مخزن الهادي في صنعاء أدلة دامغة - وإن كانت أولية للغاية - على تحويل إمدادات الأسلحة الإيرانية المخصصة لليمن إلى مناطق بعيدة حتى وسط الصومال على الأقل، علاوة على ذلك، ورد أن العديد من الأسلحة المهربة من اليمن يتم بيعها من قبل وسطاء لدول مثل كينيا وموزمبيق وتنزانيا وجنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى. لذلك، من المحتمل أن يكون لانتشار الصراع في اليمن تداعيات أمنية أوسع على منطقة شرق إفريقيا.
فشل "صفقة السلاح"
طلب الهادي من جاما تسهيل تحويل 100,000 دولار من عميله الوهمي في جنوب السودان كدفعة أولى للطلب، وبعد ذلك نقل اسم الشخص الذي سيجمع الأموال في مكتب صرافة لتحويل الأموال في صنعاء نيابة عنه، وعلى مدار اتصالاتهم أصبح الهادي محبطًا بشكل متزايد لأن جاما أخفق في تحويل الدفعة الأولى. وقال " اسمعني جاما.. بصراحة لقد عملنا وتعبنا". "لقد قمنا بدورنا. الآن، الموعد النهائي لـ [عميل جنوب السودان] هو 12 ظهرًا.. إذا لم يردوا، أخبرهم أننا سنلغي ولن تكون هناك حاجة لإزعاجنا بعد الآن".
أخيرًا، في 5 يوليو 2020، أبلغ الهادي جاما أنه غير قادر على توفير الكميات المطلوبة وتوقف عن اتصالاته:
وقال "السلام عليكم شيخ جاما. حاولت الحصول على الكميات، كان من الصعب للغاية الحصول على مثل هذه الكميات الكبيرة، من الصعب جدا الحصول على هذه الكميات في اليمن.. لذلك من المستحيل توفير طلبك، علاوة على ذلك، كنت متحمسًا جدًا للعمل معك، لكن لدى اصحابك نوعًا من الخوف أو شيء من هذا القبيل وإضافة إلى ذلك الكميات غير متوفرة، بصراحة اعتبر المسألة ملغية، الكمية غير متوفرة، كنت أتمنى أن نعمل معًا ولكني لا أستطيع، تحياتي.. والله معك".
كان استعداد الهادي للتواصل علنًا عبر تطبيق المراسلة وتقديم معلومات مفصلة حول طبيعة أعماله في مجال الأسلحة إلى أحد معارفه الجدد مؤشرًا على بيئة الإفلات من العقاب التي يعمل فيها، من رسائل المبادرة «GI-TOC» باستخدام الاسم الوهمي جاما مع الهادي، بدا أنه مورد صغير الحجم يخدم بشكل أساسي المتطلبات المحلية في اليمن.
ومع ذلك، فإن حيازته لبنادق هجومية مماثلة لتلك الموثقة في الصومال توفر نافذة مثيرة للاهتمام لإمكانية وجود أصل مشترك في إيران، وفي حين أن هناك حاجة إلى مزيد من البيانات قبل التمكن من استخلاص أي استنتاجات نهائية، فإن دراسة حالة الهادي تشير إلى طرق مثيرة للاهتمام للبحث عنها في المستقبل.
متعلقات