لماذا تواصل مليشيات الحوثي ارتكاب “جرائم حرب” ضد المدنيين في مأرب؟” تقرير”
السبت 18 يوليو 2020 الساعة 19:43
المنارة نت / متابعات
تواصل مليشيات الحوثي الانتهاكات وجرائم الحرب ضد أبناء محافظة مأرب، منذ بداية انقلابها على السلطة الشرعية واندلاع الحرب قبل نحو خمس سنوات، حيث تقصف المليشيات المدينة بالصواريخ البالستية من حين لآخر، ومعظم الهجمات استهدفت الأحياء السكنية وتسببت بسقوط عدد كبير من القتلى والمصابين من المدنيين، كما أنها تزرع الألغام بكثافة في أي منطقة أو موقع عسكري تنسحب منه إثر هزائم ميدانية، وبنفس الوقت تعمل على تشكيل خلايا نائمة داخل المحافظة تخدم المليشيات، من بينها خلية سبيعيان التي داهمت قوات حكومية مقرها قبل أيام وقضت عليها، وهذه الخلايا يتم تكليفها بمهام استخباراتية وبتهريب الأسلحة والمخدرات لصالح المليشيات الحوثية.
هذه الجرائم والانتهاكات تعكس مدى “الوجع الحوثي” من محافظة مأرب، وبالتالي فإن “مسلسل الانتقام” سيظل قائما ما دام “الوجع الحوثي” قائما ومتجددا. ورغم أن المعروف تاريخيا أن أبناء المناطق السهلية والصحراوية يكونون أقل صمودا أمام “الغزاة”، لعدم وجود تضاريس جبلية توفر لهم الحماية، كما هو حال أبناء المناطق الجبلية الذين توفر لهم التضاريس حماية من هجمات الغزاة، إلا أن محافظة مأرب كسرت كل ما هو مألوف، وها هي المنطقة الصحراوية تلقن القادمين من الجبال والكهوف دروسا لن ينسوها، وعلى أطرافها تتكبد الإمامة الجديدة خسائر فادحة كلما حاولت الاقتراب من مأرب التاريخ والحضارة والهوية اليمنية والقلعة الجمهورية العتيدة، حيث شكلت المحافظة، بصمودها واستماتتها في مقاومة المشروع الحوثي السلالي العنصري المستبد، عامل إلهام للغيورين على الوطن والرافضين للكهنوت الظلامي الإرهابي.
– المدنيون في مرمى الصواريخ الحوثية
تعد محافظة مأرب أكثر محافظة يمنية اعتدت عليها المليشيات الحوثية بعدد كبير من الصواريخ البالستية، والتي استهدف معظمها الأحياء السكنية، مما تسبب بقتل وجرح آلاف المدنيين، ولم تراعِ المليشيات الحوثية حتى مخيمات النازحين في المحافظة، حيث تعمدت قصف مخيماتهم، وقتلت عددا كبيرا من النساء والأطفال، ويعد ذلك من جرائم الحرب التي تستوجب مثول قيادات مليشيات الحوثي أمام محاكم محلية أو دولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين العزل.
وكشفت إحصائية رسمية حديثة، صدرت قبل أيام، عن هول تلك الجرائم وما أسفر عنها من ضحايا، حيث وثقت استهداف مليشيات الحوثي للأحياء السكنية والأعيان المدنية بمدينة مأرب بـ244 صاروخا ومقذوفا من عدة أنواع.
وأفادت الإحصائية التي أعدها ونشرها الموقع الرسمي لمحافظة مأرب، بالتعاون مع مكتب حقوق الإنسان بالمحافظة، أن الصواريخ والمقذوفات توزعت بين 112 صاروخا بالستيا و131 صاروخا نوع كاتيوشا وصاروخ واحد نوع أورجان.
وأسفرت الصواريخ البالستية وصواريخ الكاتيوشا التي أطلقتها مليشيات الحوثي عن قتل وإصابة ما لا يقل عن 689 مدنيا بينهم 92 طفلا وامرأة منذ مطلع أبريل 2015 وحتى 14 يوليو 2020.
كما بينت الإحصائية أن عدد القتلى الذين قضوا جراء الصواريخ الحوثية التي استهدفت المدينة بلغ 251 مدنيا بينهم 25 طفلا و12 امرأة، في حين بلغ عدد الجرحى 438 مدنيا بينهم 47 طفلا و8 نساء ومسنين.
وتصدت منظومة باتريوت التابعة لتحالف دعم الشرعية لـ85 صاروخا بالستيا منذ 2015، وسقط 26 صاروخا على أحياء سكنية متفرقة تسببت في مقتل 174 مدنيا بينهم 3 أطفال وامرأتان، وجرح 231 مدنيا بينهم 16 طفلا وامرأة واحدة واثنين من المُسنين.
أما صواريخ الكاتيوشا فقد أودت بحياة 69 مدنيا بينهم 12 طفلا و12 امرأة، وتسببت في جرح 198 شخصا آخرين بينهم 21 طفلا و4 نساء و4 مُسنين.
كما تسبب صاروخ واحد من نوع أورجان أطلقته المليشيات ليلة عيد الفطر المبارك عام 2016 في استشهاد 8 مدنيين جميعهم أطفال، وإصابة 8 أطفال وامرأة.
وتكتظ مدينة مأرب بمئات الآلاف من الساكنين من أبناء المحافظة والنازحين الذين قدموا إليها من مختلف المحافظات التي تسيطر عليها مليشيات الحوثي هربا من الانتهاكات الفتاكة التي ترتكبها المليشيات بحق المواطنين في مناطق سيطرتها، والتي تسببت في أكبر عملية نزوح داخلية في اليمن.
– أحقاد متجددة
تُكِن مليشيات الحوثي لمحافظة مأرب أحقادا دفينة، بدأت منذ الأيام الأولى لانقلابها على السلطة الشرعية، حيث كانت المليشيات تخطط للسيطرة على المحافظات التي تتواجد فيها الثروات الرئيسية للبلاد من النفط والغاز، قبل التمدد نحو محافظات أخرى، غير أن الاستعداد المبكر لأبناء مأرب لمواجهة أي غزو حوثي محتمل جعل المليشيات تعيد ترتيب أولوياتها، خاصة بعد انتشار ما يسمى “المطارح” القبلية استعدادا لمواجهة المليشيات إذا ما فكرت بغزو مأرب.
شكل الاستعداد المبكر لأبناء مأرب لمواجهة المليشيات الحوثية عامل إلهام لبقية المحافظات لتتشكل فيها مقاومة شعبية مثلت فيما بعد العمود الفقري للجيش الوطني، ثم إن فشل المحاولات المتكررة للمليشيات لاقتحام محافظة مأرب، والتي تنكسر في تخوم المحافظة، جعلت الأحقاد على مأرب تتفاقم لدى المليشيات، خاصة بعد تمكن الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في مأرب من تحقيق اختراق وتقدم باتجاه العاصمة صنعاء (جبهة نهم شرقي صنعاء).
ازدادت أحقاد المليشيات الحوثية على محافظة مأرب بعد النهضة التي شهدتها المدينة (مركز المحافظة)، وما تحقق فيها من أمن واستقرار، وتحولت مأرب إلى نموذج مصغر للدولة التي يطمح إليها اليمنيون، وجذبت إليها رؤوس الأموال والاستثمارات، وشكّل نموذج مأرب الناجح إحراجا للمليشيات الحوثية، كون ذلك النموذج يدينها، ويرسم بوضوح الفرق بين الدولة والمليشيات.
لم تستطع المليشيات الحوثية كتم أحقادها وهي ترى نموذجا داخل البلاد يدينها قبل أي اعتبار آخر، خاصة أن هذا النموذج تم في محافظة مأرب، المحافظة التي ظل نظام الرئيس السابق علي صالح يشوهها ويتهمها بمختلف التهم وحرمها من التنمية رغم أنها أحد أهم مصادر ثروات البلاد، ولذا، لجأت مليشيات الحوثي إلى استخدام مختلف الأساليب القذرة للانتقام من مأرب وأهلها، ومحاولة إفراغ المدينة من سكانها باعتبارها صارت في مرمى الصواريخ الحوثية، وإيقاف عجلة التنمية فيها، ويأتي في مقدمة أساليب المليشيات للانتقام من مأرب قصف الأحياء السكنية بالصواريخ البالستية، وزراعة الألغام في المواقع التي تنسحب منها في أطراف المحافظة، وتشكيل خلايا نائمة داخل المحافظة تعمل لصالح المليشيات، مثل تهريب الأسلحة والمخدرات وغير ذلك.
– رمال مأرب وغبار الإمامة
تعد محافظة مأرب أكثر المحافظات العصية على المشروع الإمامي السلالي الحوثي، كما أن التناغم الاجتماعي السائد فيها، واستعداد أبنائها للقتال والتضحية دفاعا عن النظام الجمهوري والحرية ورفضا للإمامة والاستعلاء السلالي حتى لو فنوا جميعا، كل ذلك كفيل بتحصين الجبهة الداخلية في مأرب، وجعلها عصية على أي اختراق “حوثي” مؤثر يمكنه من خلخلة المحافظة من داخلها، وبالتالي فإنه لم يعد أمام مليشيات الحوثي من خيار سوى الاعتداء على مأرب بالصواريخ البالستية المهربة من إيران.
وهكذا تبدو محافظة مأرب قلعة جمهورية عتيدة عصية على مليشيات الحوثي مهما واصلت عدوانها عليها بالصواريخ والطائرات المسيرة، ومهما حاولت زرع خلايا نائمة داخلها لإقلاق الأمن والسكينة فيها أو محاولة إسقاطها من الداخل، ولا يمكن لغبار الإمامة أن يغطي رمال مأرب مهما كان حجم الاعتداءات عليها، ومهما كان حجم الاستعدادات لمحاولة اقتحامها والسيطرة عليها. أما استمرار الاعتداء على المدنيين بالصواريخ البالستية، فهذا يعكس الهزيمة النفسية للحوثيين أمام مأرب، ويعد مجرد تفريج للكبت، ولن يحقق أي نصر، وإنما يمثل إدانة أخلاقية للحوثيين.
متعلقات