كانت الديانة اليهودية إحدى الديانات الرئيسية في اليمن قبل مجيء الإسلام، وعند دخول اليمنيين في الإسلام، بقي عدد منهم على ديانته الأصلية، توزعوا بين دويلات وقبائل يمنية في حمير وحضرموت وكندة وهَمْدان.
لا يُعلم، على وجه الدقة، البدايات الأولى للديانة اليهودية في اليمن، إلا أن عددا من المؤرخين رجحوا أن تكون بداية اليهودية في اليمن مرتبطة بالملكة بلقيس، التي حكمت مملكة سبأ اليمنية قبل الميلاد بنحو 1000 عام، وأسلمت على يد نبي الله سليمان بن داود.
استمرت الديانة اليهودية حاضرة لدى عدد من القبائل اليمنية، وعرف اليهود اليمنيون قديما وحديثا بالتدين الشديد، والتمسك بالعادات الاجتماعية بشكل صارم، وبحسب دراسة للباحث أفرايم أيزاك: "فإنه بالقدر الذي كان المسلمون اليمنيون أشد تدينا، كان اليهود اليمنيون أشد تدينا كذلك".
موجات الهجرةلم يُعرف عن اليهود اليمنيين، قديما، الهجرة الجماعية لخارج اليمن، إذ كانوا شديدي الارتباط بأرضهم، وكانوا أصحاب حرف ومهن، خصوصا أن اليمن قديما كانت أرض خير وزراعة، وتسمى باليمن السعيد، أو العربية السعيدة، قبل انهيار سد مأرب في القرن السادس قبل الميلاد.
حديثا، شهدت الهجرات اليمنية لليهود عدة موجات، كان أقدمها هجرة الثمانينيات من القرن التاسع عشر، حيث خرجت عائلتان عام 1881 من صنعاء، واستقرتا في فلسطين، ومارسا حرفا ومهارات متعددة لدى يهود الأشكناز ذوي الأصول اليهودية الغربية، الذين استقروا في فلسطين في البدايات الأولى لهم.
بعدها تشجعت عائلات يهودية يمنية للهجرة، فخرجت قافلة تضم 15 أسرة يهودية، قوامها نحو 150 فردا، معظمهم من أهالي منطقة "بيت بَوس" "وقاع العلفي" في مدينة صنعاء، لتلحقها في نهاية 1882 قافلة أخرى من محيط صنعاء.
ويصل عدد اليهود اليمنيين المهاجرين حتى نهاية هذا العام نحو 450 فردا، ولحقتها بعد مرور 25 عاما، أي في العقد الأول من القرن العشرين، موجة ثالثة من مدينة صعدة وحيدان، شمالي اليمن.
بعد ذلك قرر إقطاعيون يهود إحلال عمالة يهودية يمنية مكان العمالة الفلسطينية، لسبب يتعلق بالديانة والطموح السياسي لدى اليهود، وإحلالها أيضا مكان عمالة أوروبية لسبب اقتصادي، يتعلق بقدرة العمالة اليمنية على منافسة العمالة الأوروبية، التي كانت أغلى كلفة في ذلك الوقت.
ابتعث الإقطاعيون والأثرياء اليهود في عام 1910، اليهودي يفنئالي سنتين، لاستقطاب مزيد من اليهود اليمنيين، مستخدما عدة طرق، منها الإغراء الديني بالحديث عن الأرض المقدسة وأرض الميعاد، وإغراء اقتصادي يتعلق بالحصول على الأموال والأرباح الوفيرة، واستطاع المبعوث اليهودي أن يستقطب نحو 1500 يهودي، معظمهم من صعدة وحيدان، شمال باليمن.
تدفق اليهود اليمنيون تباعا، وبلغوا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية نحو 28 ألف مهاجر، حتى كانت الهجرة الأكبر لهم عامي 1949 و1950، أي بعيد تأسيس دولة إسرائيل المحلتة التي اتفقت حينها مع الإمام أحمد حميد الدين، الذي كان يحكم اليمن آنذاك، على ترحيل أعداد كبيرة من اليهود إلى إسرائيل.
بالفعل هاجر خلال عامين نحو 47 ألفا و400 يهودي من أصل 50 ألف يهودي، وسافروا برا من عدة مناطق يمنية إلى عدن، ومن مطار عدن انطلقوا مستقلين 430 طائرة، في عملية سميت "البساط السحري".
وكان الهدف من هذه العملية الأكبر في تاريخ يهود اليمن، والعمليات الأخرى المشابهة في عدة دول، هو تثبيت دعائم دولة إسرائيل بجلب السكان وتوطينهم، بعد الإعلان عن تأسيسها في مايو/آيار 1948.
عملية سريةتوالت بعد ذلك موجات الهجرة، وكانت هجرة آخر عائلة يهودية في اليمن في مارس/آذار 2016، في عملية وصفتها الوكالة اليهودية بـ"السرية والمعقدة"، ونقل موقع الخارجية الإسرائيلية خبرا بعنوان "وصول آخر يهود اليمن في عملية سرية إلى اسرائيل".
وقال الموقع: "في عملية إنقاذ سرية قامت بها الوكالة اليهودية، وصل إلى إسرائيل 19 شخصا، من آخر من تبقى من يهود اليمن، بعد تردي الأوضاع إثر الحرب الدائرة فيها".
وأضافت الوزارة: "شملت عملية الإنقاذ 19 من اليهود في صنعاء وريدة الذين أبدوا رغبة في الرحيل، وهم يجيدون اللغة العبرية التي حافظوا عليها على مدى سنوات، كما أن أقاربهم يعيشون في اسرائيل".
وأضافت الخارجية: "يترأس هذه المجموعة حاخام سليمان الذي حمل معه سفر توراة قديم عمره 800 سنة ولفيفة سفر الملكة استير التي يتم تلاوتها في عيد المساخر (بوريم)".
خلال عهد أول رئيس وزراء لإسرائيل ديفيد بن غوريون، عقب وصول أكثر من 47 ألف يهودي يمني إلى إسرائيل في عامي 1949 و1950، تعرضوا لعدة حوادث كارثية في تل أبيب، كان أبرزها اختطاف نحو 5800 طفل يمني، وإخفاؤهم بشكل نهائي، ولم يعرف مصيرهم حتى الآن.
لم يقتصر اختطاف الأطفال على اليمنيين وحدهم، بل طال عائلات عربية كثيرة، من تونس والمغرب العربي على وجه الخصوص، وتم اختطافهم بحجة تقديم الرعاية الصحية المناسبة لهم، لتعلن السلطات المسؤولة عن اختطافهم بعد ذلك أيام أنهم ماتوا.
جن جنون أهالي الأطفال المختطفين، وطالبوا بأولادهم أو جثثهم أو حتى قبورهم، لكن السلطات الإسرائيلية رفضت كل مطالبهم، وكانت عنيفة في تعاطيها معهم.
وكشف فيلم وثائقي عرض على التلفزيون الإسرائيلي أن الأطفال الذين اختطفوا تم بيعهم لعائلات يهودية أوروبية ثرية، ممن فقدوا عائلاتهم في الهولوكست، بنحو 5 آلاف دولار لكل طفل، وهو المبلغ الذي كان يعد رقما كبيرا في تلك الأيام.
من بين أولئك الأطفال الذي تم بيعهم، جيل غرونباوم، الذي اكتشف في منتصف التسعينات، أي بعد مرور أكثر من 4 عقود من اختطافه، بأنه ليس ابن العائلة الثرية الذي اعتقد أنه ينتمي إليها، بل ابن عائلة يهودية تونسية، سُرق منها في الخمسينيات، يوم أن كان رضيعا، الأمر الذي شكل صدمة كبيرة له، ودفعه للبحث عن عائلته الحقيقية والعودة إليها.
وفي أغسطس/آب الماضي نظم يمنيون يهود مظاهرة، قبالة مقري إقامة الرئيس الإسرائيلي رؤوبين ريفلين، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، طالبوا فيها بالكشف عن مصير أطفالهم الذين اختطفوا خلال السنوات الأولى لقيام إسرائيل، وطالبوا أيضا باعتراف إسرائيل بتنفيذ عملية ممنهجة لخطف أطفالهم، وحمل المتظاهرون ملصقات تحمل صورا للأطفال وتواريخ اختطافهم.
وفي عام 2016 قال نتنياهو، إن: "قضية الأطفال اليمنيين جرح مفتوح يستمر في النزف، في العديد من العائلات التي لا تعرف ما حدث للأطفال، وهم يبحثون عن الحقيقة".
ندم ولعناتمنذ انتقالهم إلى إسرائيل، واجه اليهود اليمنيون عنصرية وتمييزا من قبل اليهود الأوروبيين، ومن قبل حكومة إسرائيل، وتم معاملتهم كمواطنين درجة ثانية، فتم مماطلتهم في منح الحقوق الذين كانوا قد تلقوا وعودا بتحقيقها قبل هجرتهم.
في يونيو/حزيران 2002 قاد اليمني يحيى مرحبي احتجاجات لعوائل يهودية يمنية، كانت قد وصلت إلى إسرائيل عام 2000، بعد أن تنصلت الحكومة الإسرائيلية من الوفاء بتعهداتها بمنحهم مساكن، وتوفير فرص عمل، ومساعدتهم ماليا، وأعلنت هذه العوائل ندمها لمغادرة مزارعها الخصبة ومساكنها في اليمن، وطالبت بإعادتها إلى اليمن، ووصفت إسرائيل بأرض الجحيم، لا أرض الميعاد، حسب توصيف المحتجين.
وفي الاحتجاجات لعن اليهودي اليمني يوسف سليمان، وهو أب لثمانية أولاد، اللحظة التي وافق فيها على السفر إلى إسرائيل، ليرمى هناك في منطقة بئر السبع من دون منزل وعمل أو إعانات أسرية.
ووجه المحتجون رسالة خطية إلى أرئيل شارون قالوا له فيها إنهم تعرضوا للخداع من قبل عناصر صهيونية، أقنعتهم بالهجرة إلى أرض تدر لبنا وعسلا، كما في التوراة، غير أنهم لم يجدوا إلا الذل والمهانة، حسب قولهم.
وفي 2006 انفجرت اليهودية اليمنية لوزة النهاري في وجه لجنة الاحتواء بالكنيست الإسرائيلي صارخة: "نادمون على تركنا أوطاننا والمجيء إلى إسرائيل، نريد العودة إلى اليمن، لا نريد منكم أكثر من شراء تذاكر سفر لنا، اللعنة عليكم وعلى إسرائيل".
أما اليهودية اليمنية "يونا" زوجة يحيى تسفاري، فتتمنى اللحظة التي تتاح لها فرصة العودة الى اليمن، والسبب أنها ، كما قالت: لم تعد قادرة على تحمل طبيعة الحياة اليومية في إسرائيل.
يشكل اليمنيون كتلة متماسكة داخل المجتمع اليهودي، ويحافظون على طابعهم التقليدي في الحياة العامة، والأفراح والمناسبات، ويقيمون فعاليات ثقافية متعددة، يبرزون من خلالها الفن التقليدي اليمني، ويحيون بعضا من فن التراث اليمني الذي كاد أن يندثر.
يعيش اليهود اليمنيون الأجواء اليمنية بمعظم تفاصيلها، حيث يمارسون عاداتهم الاجتماعية، لا تفارق بيوتها الأرجيلة اليمنية التقليدية "المداعة" ومقايل القات، الذي يعد زراعته وتعاطيه مسموحا في إسرائيل، ومشاهدة القنوات الفضائية اليمنية، حتى أنهم حولوا حي "اوشيوت" في مدينة "رحوفوت" الإسرائيلية، إلى نموذج مصغر لقرية يمنية.
أما من هاجروا حديثا، فهم أشد تمسكا بعاداتهم وتقاليدهم، بما في ذلك ارتداء الجلباب اليمني، ومنع الفتاة من الدراسة في مدارس مختلطة، أو ارتدائها ملابس غير محتشمة.
ولعل التمييز الذي واجهه يهود اليمن، من قبل اليهود الأوروبيين والأمريكيين، هو ما دفعهم للحنين والعودة إلى الثقافة اليمنية العريقة التي ينحدرون منها، ويدفعهم للتأكيد على انتسابهم لحمير في اليمن، موطن العرب الأول، كعنصر من عناصر القوة والتفوق