شبح العطش يهدد العاصمة صنعاء.. والانقلابيون يدمرون مشاريع مياه حكومية
الاثنين 2 سبتمبر 2019 الساعة 16:02
المنارة نت/ متابعة خاصة
تعاني العاصمة صنعاء في الوقت الحالي من أزمة خانقة في مياه الشرب والاستخدام المنزلي، عقب أكثر من أربعة أعوام من إيقاف الميليشيات الحوثية لمشروع شبكة المياه الحكومية، التي تزايدت تكاليف الحصول عليها من مصادر وطرق أخرى بديلة.

وشكا سكان محليون تحدثت معهم «الشرق الأوسط» من استمرار انقطاع المياه بشكل كلي على مناطقهم بالعاصمة منذ إيقافها بشكل جزئي ثم كليّاً من قبل الميليشيات الحوثية.

وتحدث بعض من السكان، الذين لجأوا إلى طرق أخرى بديلة للحصول على مياه الشرب، عن الارتفاع غير المبرر في أسعار «وايتات» الماء في العاصمة صنعاء.

وقالوا إن حياتهم باتت مهددة مع استمرار انعدام مياه الشرب كلياً، سواءً من المشروع الرسمي أو السبيل أو الوايتات التي ارتفعت كلفتها بصورة غير مبررة.

إرتفاع أسعار "وايت " الماء

وتطرقوا إلى أن معاناتهم ازدادت بشكل كبير نتيجة ارتفاع تكاليف المصادر البديلة لجلب مياه الشرب والاستخدام المنزلي والمتمثلة في الناقلات (الوايتات).

وقالوا في أحاديث متفرقة إن سعر صهريج الماء أو «الوايت» كما يحلو للأهالي تسميته، وصل إلى نحو 10 آلاف ريال يمني (الدولار يساوي نحو 500 ريال يمني) في ظل أوضاع معيشية صعبة يعيشها سكان صنعاء وغيرها من المدن الخاضعة لسيطرة الميليشيات الانقلابية.

وأشاروا إلى الكمية القليلة من الماء التي تجلبها «الوايتات»، وبأسعار مرتفعة لا تكفيهم وأسرهم سوى لأيام قليلة.

وبسبب الارتفاع الكبير لأسعار المياه، باتت آلاف الأسر اليمنية بصنعاء عاجزة عن توفير مياه الشرب، وعزا مراقبون ذلك إلى الصعوبات المعيشية التي تمر بها معظم تلك الأسر، والتي خلَّفها انقلاب الميليشيات وعبثها المستمر وإيقافها لمرتبات الموظفين من أكثر من ثلاثة أعوام.

إنشاء خزانات «مياه سبيل»

ونتيجة لتوسع أزمة المياه، حاول كثير من فاعلي الخير وجمعيات خيرية ومنظمات محلية ودولية، الذين ضايقتهم أساليب وتصرفات الميليشيات، التخفيف من معاناة السكان من خلال إنشاء خزانات «مياه سبيل» في عدد من حارات العاصمة صنعاء، إلا أنها لم تستطع حل المشكلة كلياً، ما دفع كثيراً من الأسر للبحث عن المياه من خزانات المساجد والآبار.

وبحسب محمد الحيمي، وهو مالك صهريج ماء بصنعاء، فإن «ماء السبيل» يعد واحداً من الأعمال الخيرية التي تتوزع بعدد من أحياء العاصمة بما فيها الأحياء الشعبية المكتظة بالسكان الأكثر احتياجاً.

وقال الحيمي إن ماء السبيل يأتي إما على شكل خزانات ثابتة في الأحياء أو «وايت» ماء يصل بشكل دوري ويفرغ حمولة الماء مباشرة لعبوات الأسر.

وأشار إلى أن كثيراً من الأسر المحتاجة تنتظر دائماً وبفارغ الصبر وصول تلك «الوايتات» لجلب ما يكفيها من الماء.

ويرى مراقبون ومهتمون بهذا الشأن أن من لم يحالفها الحظ من الأسر بالعاصمة في الحصول على ماء السبيل، فإن مسألة البحث عنها تصبح بالنسبة لهم مهمة صعبة ومتعبة للغاية.

حرمان من مياه السبيل

بدورها، تقول أم علاء، وهي يمنية أربعينية تقطن في صنعاء، إن حارتها محرومة حتى من «ماء السبيل» المجاني، ومعظم القاطنين فيها ظروفهم المادية صعبة وغير قادرين على شراء صهاريج الماء. وتجلب أم علاء مع أبنائها بشكل يومي الماء من أحد المساجد القريبة من منزلها.

وتضيف: «إن المسجد يُعد المصدر الوحيد لجلب الماء بالنسبة لها ولكثير من السكان الذين يقطنون في حيها».

وانتهجت الميليشيات المدعومة إيرانياً منذ انقلابها التدمير والنهب للمؤسسات العامة في العاصمة صنعاء، وأوقفت مشروع شبكة المياه الحكومي، ومخصصات التشغيل والصيانة وقطع الغيار، كما أوقفت صرف مرتبات موظفي هذا القطاع المهم، وغيره من القطاعات الأخرى.

ممارسات إجرامية متنوعة

وتطرق مسؤولون بـ«مؤسسة المياه» الخاضعة لسيطرة الانقلابيين بصنعاء، في حديثهم عن ممارسات إجرامية متنوعة نفذتها الميليشيات في حق «مؤسسة المياه» و«الهيئة العامة للموارد المائية»، وتحويلهما إلى ملكية خاصة تابعة لها.

وكشف المسؤولون عن مصادرة ونهب الميليشيات عقب اقتحامها للمؤسسة كل أصولها وأرصدتها ومخصصاتها من الوقود والأثاث ومعدات التشغيل وغيرها.

تنفيذ أجندة وأهداف طائفية

وقالوا إن الجماعة لم تترك شيئاً داخل المؤسسة، إلا بضعة موظفين تحتاج إليهم بين الفينة والأخرى لتنفيذ أجندتها ومشاريعها وأهدافها الطائفية.

كارثة وشيكة

وقال مدير إدارة بـ«مؤسسة المياه»، أقصته الميليشيات من عمله إن «المؤسسة وعقب العبث والتدمير الحوثي الذي طالها لم تعد قادرة على إدارة سيارة واحدة من أصولها دون إذن مسبق من الميليشيات». وأضاف: «لهذا السبب وغيره فإن شبح العطش يهدد اليوم الآلاف من السكان في العاصمة، ولا قدرة للمؤسسة على التعامل مع هذه الكارثة، أو إيجاد حلول ومعالجات لها».

مليون ونصف طفل بدون مصدر مياه

وقدّرت تقارير دولية أن 4.5 مليون طفل يمني يعيشون في منازل لا يتوفر فيها مصدر مياه محسن، وصنّفت اليمن مؤخّراً كإحدى أربع دول هي الأشدّ فقراً في الموارد المائية.

وعلى الصعيد ذاته، كشف تقرير أممي حديث أن البنية التحتية لقطاع المياه في اليمن تعرضت لأضرار بالغة، وتحتاج إلى مليار و200 مليون دولار على مدار 5 سنوات، وفقاً لآخر تحليل للأضرار واحتياجات المشاريع المهمة الطارئة في اليمن.

وأظهر التقرير، الصادر عن «البنك الدولي»، الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، أن 21 في المائة من أصول قطاع المياه والصرف الصحي قد تعرضت لأضرار، وأن نسبة مرافق المياه العاملة في المناطق التي تم تقييمها أقل من 70 في المائة، 44 في المائة تعمل بشكل كامل، و24 في المائة تعمل بشكل جزئي.

أنخفاض معدل الوصول لمصادر المياه إلى النصف

وقال التقرير المتعلق بالمشروع الطارئ للصحة والتغذية في اليمن، إن معدل الوصول إلى مصادر المياه المحسنة منذ عام 2015م انخفض بمقدار النصف تقريباً، وارتفعت تكلفة المياه بنسبة 45 في المائة، كما انخفضت القوة الشرائية. وأضاف أن تدمير المؤسسة أدى إلى تقويض أنظمة المياه والصرف الصحي في اليمن، وأسهم في تكرار موجات تفشي وباء الكوليرا.

وأوضح أن نسبة السكان الذين يحصلون على المياه عبر مشاريع المياه الحكومية (شبكات الأنابيب)، التي تعمل بشكل جزئي في الوقت الحالي، لا تتجاوز 22 في المائة في المناطق الريفية، و46 في المائة من السكان في المناطق الحضرية.

ولفت التقرير إلى أنه مع تراجع إمكانية الوصول إلى المياه النظيفة، تلجأ المجتمعات إلى مصادر المياه غير الآمنة، بينما نسبة الأسر التي تقوم بمعالجة المياه في المنزل 24 في المائة فقط.

توقف خدمات مشاريع المياه

وكانت دراسة محلية أخرى قالت إن توقف خدمات مشاريع المياه الحكومية حرم المواطنين من حقهم في الوصول إلى المياه النظيفة، وعرضهم للإصابة بأمراض الإسهامات المعوية، وتدهور الحالة التغذوية، ووصولهم في بعض الحالات للوفاة.

ووفقاً للدراسة الخاصة بتقييم الخدمات الأساسية في اليمن، فإن إيقاف الميليشيات تموين مشاريع المياه بالوقود ومواد التعقيم والنفقات التشغيلية، عاقت المواطنين من الوصول إلى المياه النظيفة، ما عرضهم للإصابة بأمراض وأوبئة. وأشارت إلى أنه بمناطق سيطرة الميليشيات، لا تعمل شبكات المياه العامة إلا جزئياً، ويتحمل الأطفال والنساء أعباء نقل المياه إلى منازلهم، حيث أفادت 60 في المائة من الأسر بأنها تقضي أكثر من 30 دقيقة في جلب المياه.

صنعاء في طريقها لتكون أول مدينة تنضب منها المياه

وبالمقابل، أشارت دراسات وتقارير محلية ودولية أخرى إلى أن العاصمة صنعاء في طريقها لتكون أول مدينة في العالم تنضب منها المياه في غضون عشر سنوات، وذلك بعد تفاقم أزمة نقص المياه في المدينة وقرب نضوب حوض صنعاء.

وبحسب الدراسات، يتزايد الطلب على المياه بفعل الاستهلاك المرتفع للفرد، والاستخدام المفرط وسوء إدارة الموارد المائية والنمو السكاني السريع.

خطر الحفر العميق للآبار

وحذرت من خطر الحفر العميق للآبار بحوض صنعاء، وأثره السلبي على استنزاف المخزون المائي.

وطالبت بضرورة وقف أي حفر عشوائي جديد على حوض صنعاء، وتفعيل قانون وتشريع يحرم أي حفر جديد على حوض صنعاء أو التعمق للآبار الحالية فيه، بالإضافة إلى إنهاء التعامل بمنح تصاريح حفر جديدة.
متعلقات