تحول ثوري وتاريخي في عالم مكافحة الجريمة نتيجة بصمة غير مقصودة
السبت 20 يوليو 2019 الساعة 18:20
المنارة نت/ متابعة خاصة
متى وكيف بدأ إستخدام البصمات كدليل جنائي ؟!  

في حزيران 1892 تم استدعاء الشرطة في إحدى قرى الأرجنتين بعد ما عثرت (فرانشيسكا روهاس) الأم ذات الـ 27 عاماً على طفليها مقتولين داخل بيتها ،كانت جريمة بشعة ارتكبت في بلدة صغيرة ، لكن بسببها حصل تطور مذهل في علم الأدلة الجنائية.  

قالت (فرانشيسكا) أنها كانت خارج البيت ولما رجعت وجدت الطفلين مقتولين ، وبسؤال الشرطة لها عما إذا كانت توجه الاتهام لشخص معين، قالت إنها تعرف القاتل و أنها رأته وقت وصولها .. و قد اتهمت صديق لها اسمه (بيدرو فلاسكوز).  

قالت (فرانشيسكا) إن (فلاسكوز) هددها أكتر من مرة قبل ذلك إنه سيقتل أولادها لو بقيت مصممة على رفضها الزواج منه.  

تم القبض على (فلاسكوز) و وجهت له تهمة القتل فأنكر، وقال أنه يعرف (فرانشيسكا) و لكن لا علاقة له بجريمة القتل .  

لجأت الشرطة للحل الوحيد الذي كان سائداً في ذلك الوقت مع ضعف الأدلة و هو التعذيب إلى حد الإنهاك ،فيتعب ثم يعترف بالجريمة.  

استخدمت الشرطة كل الطرق مع (فلاسكوز) من ضرب وتغطيس الوجه في المياه ولكنه بقي مُصراً على الإنكار برغم التعذيب الشديد. ما أدهش المحقق (إدواردو ألفاريز) المسؤول عن القضية .. لأنه لم يسبق لأي متهم أن أنكر بعد كل ذلك التعذيب.. و كان يمكن للبريء أن يعترف ليتخلص منه.  

(ألفاريز) كان محققاً عبقرياً ، وقرر أن يزور مسرح الجريمة من جديد ، عله يجد دليلاً ما.. لم يترك (ألفاريز) مكاناً في البيت إلا وفتش فيه .. بحث في كل أرجائه.. لكن للأسف كانت النتيجة صادمة له ، و قرر أن يعود لمكتبه وقبل خروجه من باب البيت لمح شيئاً جعله يفكر خارج الصندوق.  

لاحظ (ألفاريز) وجود بقعة دم تحمل بصمة أصابع على إطار باب البيت .. وقف أمامها وفكر: هل يمكن الاستفادة من هذا الدليل؟؟ و تذكر أنه سأل (فرانشيسكا) عما إذا كانت قد لمست أي من الجثتين أو بقع الدم في المكان؟؟ ، فكانت إجابتها: لا .  

تأكد (ألفاريز) إن البصمة تخص القاتل، و لكن كيف سيتصرف ؟؟ ..  

ام يكن متوفراً أي تقنية لتظهير البصمات في نهاية القرن الـ 19 ، ولكنه قرر المبادرة وقام بخلع الجزء الذي يحتوي على بصمة الدم من الباب لمقارنتها ببصمات (فلاسكوز)!.  

كانت فكرة ثورية بالمعنى الحرفي للكلمة. كان (ألفاريز) مقتنع جداً أن الحل بين يديه ولكن التنفيذ؟؟!!  

(خوان فوسيتتش) (والمرفقة صورته مع هذا التقرير) ضابط شرطة وصديق (ألفاريز) ومستشاره بالإضافة إلى كونه عالم أنثروبولوجيا (علم الإنسان) ، كان قد درس بصمات الأصابع بالإضافة لكتب (فرانسيس جالتون) صاحب الأبحاث في علم الوراثة وعلم الإنسان ،وقرر (فوسيتتش) أن يحلل البصمات!.  

أخذ نسخة من بصمات (فلاسكوز) العشرة ولكن كان التركيز على بصمة واحدة لمقارنتها مع البصمة اللي على الباب ، و ابتكر (فوسيتتش) طريقة لتسهيل ترتيب بصمات الأصابع و هي طريقة ما زالت تـُستخدم حتى اليوم .. هي طريقة (أنماط البصمات)  

فالبصمات واحدة من ثلاثة أنماط : (حلقات .. منحنيات .. دوامات).  

وبالمقارنة اتضح إن بصمة (فلاسكوز) و البصمة على الباب من نفس النمط (منحني) .. و تابع (فوسيتتش) التدقيق في تفاصيل البصمات عن طريق عدسة مكبرة يقارن بين نقط وتفرعات البصمتين!! ،و توصل أخيراً إلى النتيجة : (فلاسكوز) بريء !!..  

فلا تطابق بين البصمتين!!.  

قامت الشرطة باحضار (فرانشيسكا روهاس) ثانية وفتحت تحقيقاً معها فأصرت على أقوالها الأولى واتهمت (فلاسكوز) ،فكان من الطبيعي أن يأخذ (ألفاريز) بصماتها ليقارن بينها وبين بصمة الباب.  

بعد مقارنة بصمات (فرانشيسكا) بالبصمة الغامضة حصل التطابق : (فرانشيسكا روهاس) هي اللي قتلت طفليها!  

لماذا ارتكبت جريمتها البشعة؟!  

ولماذا حاولت إلصاق التهمة بـ (فلاسكوز)؟!  

اعترفت أن (فلاسكوز) لم يكن صديقها الوحيد .. بل كان لديها صديق أخر وكانت تحبه بجنون و مستعدة لتنفيذ أي شيء ليبقى معها، ولما طلبت منه أن يتزوجها .. قال أن مشكلته الوحيدة معها هو وجود أطفالها .. فقررت أن تتخلص من الطفلين لتتزوجه!.  

قُدِّمت (فرانشيسكا روهاس) للمحاكمة بتهمة قتل طفليها وحُكم عليها بالسجن مدى الحياة.  

وهكذا ... بسبب بصمة غير مقصودة من (فرانشيسكا) وذكاء (إدواردو ألفاريز) وعِلم (خوان فوسيتتش) حصل تحول ثوري وتاريخي في عالم مكافحة الجريمة.
متعلقات