الكاتبة الفرنسية آني إرنو الفائزة بجائزة نوبل للأدب 2022 تكشف سر حبها للصمت والطبيعة وعدم افتتانها بالعالم المتطور
الاربعاء 12 اكتوبر 2022 الساعة 01:51
ترجمة / سماح ممدوح حسن

أعلنت الأكاديمية السويدية في العاصمة ستوكهولم، يوم الخميس 6 أكتوبر/تشرين الأول، عن فوز الكاتبة الفرنسية آني إرنو، بجائزة نوبل للأدب لهذا العام (2022).

تعتبر إرنو (1940) من أعمدة الأدب الفرنسي؛ تأخذ على عاتقها، في كتاباتها، وبشكل صارم، معالجة الإختلافات الاجتماعية واستقلال المرأة، كما ناقشت الصراع الصعب من أجل تقرير المصير، حالياً وفي الماضي.

تُرجم عدد من رواياتها إلى العربية، نذكر منها: “لم أخرج من ليلي”، “الاحتلال”، “انظر إلى الأضواء يا حبيبي”، “الحدث”، و”شغف بسيط”.

وفي الأسطر التالية نص الحوار مع الروائية والكاتبة الفرنسية آني إرنو:

في مهرجان فينسيا فاز الفيلم المقتبس عن روايتك “الحدث” بجائزة الأسد الذهبي. الرواية التي تتحدثين فيها عن الإجهاض غير القانوني في فرنسا فترة الستينيات. ماذا تعني لكِ تلك الجائزة؟

حقيقة أنا أحب هذا الفيلم. نجح المخرج والممثلة الرئيسية في نقل شعور الوحدة بشكل جيد جداً، شعور السيف المسلط فوقك. عندما أرى ما يحدث في تكساس أشعر بأهمية معالجة الموضوع مرة أخرى. أخشى أنها مسألة وقت فحسب قبل أن يُطعن على الحق في الاجهاض مجدداً في بلادنا.

في هذا الكتاب تصفين الشعور بالعجز. العجز عن تقرير مصير ما يتعلق بجسدك ومستقبلك بانفتاح وحشي؟

أردت تسجيل شعور كوني امرأة ليس لها الحق في تقرير مصيرها. لا تستطيع تخيّل ما كان عليه الحال عندما كان الإجهاض غير قانوني. فلا أحد يساعدك، لا الأطباء ولا الأصدقاء ولا العائلة، الجميع ينأى بنفسه عنك. كان الشعور بالوحدة مرعباً، كان الأمر أشبه بجدار من الطوب أقيم أمامي، كما لو أن القانون يقول لي “قفي، إلى هنا ستصلين وليس أبعد” بعد كل شيء، لم أكن أمتلك المال للذهاب إلى سويسرا كما تفعل الفتيات الثريّات.

الطبعة العربية من رواية “الحدث” (دار الجمل)
نشأتِ في عائلة من الطبقة العاملة في نورماندي، ووصفتِ هذه اللحظات كما لو أن جسدك يُعيدك إلى محيطك، ماذا قصدتِ بالتحديد؟

عندما تحاول الهروب من طبقتك الاجتماعية الأصلية، كما حاولت من خلال دراستي، فإنك غالباً ماتسأل نفسك: ما الذي سيضيرني؟ ما الذي سيوقفني؟ وعندما اكتشفت أنني حامل اتضح لي فجأة أن جسدي هو ما سيوقفني. وفي ذاك الوقت كانت المرأة الحامل غير المتزوجة مثالاً للفقر والعوز. كان ذلك ضماناَ لعدم التحرر أبداً. وهذا سينهي كل شيء.

لكنك لم ترفضي القيود الاجتماعية فقط بل أردتِ التقرير بنفسك كيف تريدين العيش. حتى أنكِ قبلتِ باحتمال موتك. فبعد اللجوء لمتخصص إجهاض غير قانوني، انتهى بكِ الأمر في الطوارئ؟

يا الله، كان الأمر فظيعاً. متأكدة أن ما حدث كان جنوناَ. لكنك في مثل هذا الموقف لا تفكر في احتمالية موتك، كما تعرف، تتخلى تماماً عن العقلانية. كنت قد فعلتها ولم أكن أعرف أن الحظر القانوني يمنعني، وكنت فخورة في ذلك الوقت.

من أين جاءت رغبتك العارمة في تقرير المصير؟

مِن أمي. مَن دونها وبالتأكيد ما وصلت حيث أنا اليوم. التقدم الاجتماعي هو شكل من أشكال المنفى. تترك عالمك بأكمله خلفك، كأنك تودع ذاتك بطريقة ما. هذا صعب، وللقيام بهذا تحتاج لشخص يشجعك، تحتاج لهذا الشخص الذي يقول، استمر اقفز. شخص لا يعيقك حتى لو عرف أنك مضطر للابتعاد.

كيف دعمتك أمك؟

في قريتنا كانت لديّ العديد من الصديقات ممن تقول أمهاتهن دائماً “هذا لا شيء بالنسبة لنا” وجعلن أنفسهن نادرات. لكن أمي لم تفعل هذا أبداً. ودائماً كانت تقول “أنت شخص تستحقين هذا”، فمثلاً أذكر إحدى المرات في ملعب القرية وكنت أرقص كثيراً مع صبي يمتلك والده مقهى فاخراً في المدينة، وفي طريقنا للعودة كانت الأمهات الأخريات يقلن “طريق هذا الولد أثرى وأفخر كثيراً بالنسبة لنا” بينما كانت أمي تقول غاضبة “معذرة، ابنتي متخرجة من الثانوية! ومع كل الشهادات التي ستحصل عليها ستكون مستحقة لهذا الرجل”.

الطبعة الأصلية الفرنسية من رواية “الحدث” (دار غاليمار)
صار التعليم هو رخصتك للتقدم الاجتماعي، إذاً ما الذي دفعكِ للكتابة؟

كتابان. الأول “الجنس الثاني” لسيمون دي بوفوار كان وحياً بالنسبة لي، وفجأة فهمت أن النسوية أمر لا بد منه. الثاني كتاب “امتياز” لعالم الاجتماع بيير بورديو وكان يتعلق بالاختلافات الثقافية بين هؤلاء ممن ولدوا في طبقة معينة وأولئك ممن وجدوا التقدم. عند قراءة هذا أدركت مدى الهوة بيني وبين محيطي الأصلي، لكني أيضاً لم أنتمِ للبيئة الجديدة بحق. وعندها عرفت أن عليّ الكتابة.

في كتبك للسيرة الذاتية والتي تسمى “علم الاجتماع الأدبي” وصفتِ أيضاً كيف شعرتِ كفتاة صغيرة بالخجل من أصلك، من أين جاءك هذا؟

إنها الطريقة التي ينظر إليك بها الآخرون. تلك النظرة القوية التي تتلقاها ويُحكم عليك من خلالها. ففي عيون الآخرين إما أن تكون متساوياً أو متفوقاً او أقل شأناً. كل العلاقات الاجتماعية تضعنا في مستوى أعلى أو أقل.

هل لا يزال هذا سارياً حتى يومنا، أم أنكِ وجدتِ المجتمع أكثر قابلية للاختلاف عما كان الوضع عليه في صغرك؟

الاختلافات الاجتماعية موجودة في فرنسا حتى يومنا هذا. كثير من الناس في الطبقة العاملة أو المتوسطة، في الحقيقة، يطمحون للعيش في شيء أكثر مما فعل أباؤهم. ولا يزال تقرير المصير والتقدم الاجتماعي صعباً جداً، لكن أيضاً لا يزال ممكناً اليوم.

اليوم، وبعدما تمكنتِ من الصعود لقمة النخبة المثقفة، تعتبرين أهم كاتبة في جيلك، لكنك مازلتِ تعيشين منذ عقود في إحدى ضواحي باريس. كما لو أنك تريدين العزلة والابتعاد عن الاندماج؟!

لا أشعر بالراحة في دوائر معينة، ليس مكاني الصحيح إن جاز القول. مثل الأوقات التي أسير في سان جيرمان دي برى، وأشاهد المتاجر الفاخرة أرى كيف أن هذا ليس عالمي، هذا ليس عالمي فحسب. فأنا أحب الصمت والطبيعة، أعجز عن رؤية أي أسباب للافتتان بهذا العالم المتطور، أنا فقط لا أهتم بهذا.

النجاح فى حياتك، هل جعلك أقل أم أكثر حرية؟

لا هذا ولا ذاك. النجاح لا يعني الكثير بالنسبة لي. ليس له تأثير يُذكر على ما أفعل أو كيف أرى نفسي، فأنا أعيش للكتابة. أكتب أغلب الوقت هنا في بيتي. أحياناً أتساءل عما إذا كانت قد فاتتني أشياء بالخارج بتكريسي حياتي للكتابة. لكن عندما أقرأ الرسائل المتعددة التي يخبرني الناس فيها عن مدى أهمية كتبي بالنسبة لهم وكيف غيّرت حياتهم، عندها أفكر في أن الأمر يستحق، ربما هذا بالتحديد ما أنا هنا لأجله.

متعلقات